عادل الجبوري
حتى الآن، لم تلح في أفق المشهد السياسي العراقي أية ملامح أو مؤشرات على إمكانية عقد المؤتمر الوطني الموسع الذي دعا اليه الرئيس جلال الطالباني خلال وقت قريب، ناهيك عن نجاح المؤتمر في الخروج بنتائج ايجابية من شأنها ان تفك العقد، وتعالج الخلل، وتصحح الخطأ ، وتزيل ـ او على الاقل تقلل من ـ سوء الفهم والقلق والتوجس والخوف المتبادل لدى الفرقاء.
مكان انعقاد المؤتمر وأجندته، أحد ابرز نقاط الاختلاف ـ او الخلاف - وهذه قد تبدو مفارقة، إذ كيف يراد لمؤتمر أن ينقذ العملية السياسية من المأزق الذي تواجهه، بينما يصعب على المعنيين الاتفاق والتوافق على قضايا لا يمكن اعتبارها جوهرية، اذا لم تكن هناك نوايا مبيتة من قبل بعض الجهات لجر المؤتمر الى أجندات خاصة؟.
وبالنسبة للمكان، فإن الاكراد يصرون على عقده في اربيل، بينما يتفق الفرقاء الاخرون ـ لا سيما دولة القانون وجزء من العراقية ومعهم التيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي وتيار الاصلاح الوطني وحزب الفضيلة وقوى اخرى ـ على ضرورة عقده في بغداد.
وواضح ان عقد المؤتمر في اربيل سيعطي الأكراد محورية من التأكيد انها لن تتوفر لهم في حال عقده ببغداد، وسيجعل زمام المبادرة بمقدار كبير في ايديهم، فضلاً عن الجوانب البروتوكولية التي غالباً ما توضع في الحسبان، والعكس صحيح، اي ان انعقاد المؤتمر في بغداد، من شأنه أن يضفي عليه أجواء ومناخات مختلفة، وان لم تختلف النتائج والمعطيات كثيراً.
وطبيعي ان المكان سيحدد بمقدار معين طبيعة ومستوى الحضور، ففي أربيل مثلاً من المؤكد أن يشارك رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، بل إنه من الناحية الواقعية سيكون الراعي الرئيس للمؤتمر، في حين أن مجمل المؤشرات تذهب الى ان البارزاني لن يأتي الى بغداد، وفي افضل الاحوال سينتدب ممثلاً عنه، كأن يكون نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويس او وزير الخارجية هوشيار زيباري.
هذا من جانب ومن جانب آخر، وارتباطاً بتأثيرات المكان في طبيعة الحضور، فإن بعض الزعامات السياسية ربطت حضورها ومشاركتها بحضور ومشاركة زعامات اخرى، فرئيس القائمة العراقية اياد علاوي اكد قبل بضعة أيام أنه لن يشارك في المؤتمر اذا لم يشارك فيه كل من مسعود البارزاني، ورئيس المجلس الاعلى السيد عمار الحكيم، وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، في حين شددت أطراف سياسية عديدة على اهمية وضرورة حضور رئيس الجمهورية جلال الطالباني باعتباره صاحب مبادرة عقد المؤتمر الوطني، والشخص الأكثر قدرة على تقريب وجهات النظر وتذويب جزء من الخلافات والاختلافات، وبما ان الطالباني سافر قبل أيام قلائل الى المانيا لغرض العلاج، وان مدة سفره غير محددة وربما تمتد لشهر أو اكثر، فهذا يعني أن فرص واحتمالات عقد المؤتمر خلال وقت قريب تكاد تكون معدومة.
اما فيما يتعلق بأجندة المؤتمر، فإن قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ألقت بظلالها على كل الحوارات والنقاشات التمهيدية بين الفرقاء السياسيين، وبدت الهوة واسعة بين مطالب وشروط العراقية من جهة، ومطالب وشروط التحالف الوطني من جهة اخرى، فبينما تضع الأولى جملة مطالب بشأن قضية الهاشمي مقابل المشاركة، يشدد التحالف الوطني على عدم اقحام تلك القضية في أي ملفات سياسية ويرفض رفضاً قاطعاً ادراجها ضمن جدول اعمال المؤتمر.
ويبدو ان الهاشمي الذي من الطبيعي انه لن تتاح له المشاركة في كل الأحوال، سوف يكون حاضراً بملفه، سواء ادرج ضمن أجندة المؤتمر أم لم يدرج، خصوصاً وانه من الصعب بمكان ضبط سياقات وايقاعات ما يطرح ويناقش فيه.
والملفت ان احتمالات وهواجس الفشل هي التي تطغى وتهيمن حالياً على الاجواء السياسية، أكثر من احتمالات النجاح.
رئيس المجلس الأعلى السيد عمار الحكيم شدد مؤخراً على طرح كل النقاط الخلافية والعمل على حسمها قبل الذهاب الى المؤتمر، وهذا يفهم منه أن السيد الحكيم يرى أن فتح الملفات خلال المؤتمر وليس قبله، لن يفضي الى اية نتائج ايجابية.
اما زعيم القائمة العراقية إياد علاوي فقد طرح ثلاثة خيارات في حال فشل المؤتمر، الخيار الأول يتمثل في حل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة تكنوقراط بدلاً عنها تعد لاجراء انتخابات مبكرة، والخيار الثاني هو قيام التحالف الوطني باعتباره الكتلة النيابية الأكبر، بتسمية رئيس وزراء جديد قادر ومؤهل على ادارة شؤون البلاد، في حين يتمثل الخيار الثالث بالعمل على تشكيل حكومة شراكة وطنية حقيقية تستند إلى التنفيذ الكامل لاتفاقية اربيل المبرمة آواخر عام 2010 بين نوري المالكي وإياد علاوي وبرعاية رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني.
والملفت انه لا نجد حالياً من يتوقع نجاحاً للمؤتمر، فائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي بات يدعو بشكل أكثر صراحة ووضوحاً الى اللجوء لخيار حكومة الأغلبية، ويطالب القائمة العراقية بالانسحاب من الحكومة والعمل ككتلة برلمانية ـ سياسية معارضة في اطار سياقات النظام البرلماني الديمقراطي، وتتفق الكتلة البيضاء المنشقة عن العراقية مع اطروحات دولة القانون، بل انها تبدو أكثر تحمساً لها، حيث انها ربما تأمل في الحصول على بعض المواقع الوزارية في حال انسحاب العراقية من الحكومة.
اما التيار الصدري فيرى "أن المؤتمر الوطني لن ينجح لا سيما بعد أن قدمت القائمة العراقية خياراتها الثلاثة، لأن تلك الأخيرة سوف تطرح داخل المؤتمر الوطني وبالتالي لن يكون ممكناً تحقيقيها، فلا ينجح المؤتمر بالتأكيد".
ويشدد التيار الصدري على "أن خيارات القائمة العراقية الأخيرة سوف تجعل جميع الكتل المشاركة في الحكومة تتجه إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية".
ولا يختلف الامر كثيراً بالنسبة للاكراد الذين على ما يبدو سيدعون بقوة الى الالتزام باتفاقية اربيل وتطبيق المادة 140 من الدستور، ويحاولون التوصل الى توافق سياسي بشأن قضية الهاشمي.
ودولة القانون التي تشدد على لسان زعيمها المالكي وشخصيات أخرى على أهمية الاحتكام الى الدستور، أوصلت رسائل واضحة الى شركائها وخصومها معاً، مفادها ان بحث مسألة تنحية او تنحي المالكي عن رئاسة الحكومة يمكن ان يزيد الأمور تعقيداً ويدخل الجميع في نفق مظلم، لذا من الأفضل صرف النظر عن ذلك الخيار.
قد لا يعني فشل المؤتمر كارثة سياسية حقيقية، باعتبار ان الواقع السياسي العراقي مرتبك من الأساس وملفاته متداخلة وصراعاته مزمنة، الا ان الفشل من الممكن والمتوقع ان يفتح بعض الابواب لخيارات غير مرغوب فيها، ادواتها خارجية وليست داخلية، فضلاً عن التفاعلات والاحتقانات الداخلية التي تعني مزيداً من الفوضى الامنية وغياب وانعدام الخدمات، وابتعاد الفرقاء عن بعضهم بعضاً مسافات أكبر بدلاً من التقارب والاقتراب.
https://telegram.me/buratha