المقالات

قراءة في علاقات العراق بمحيطة الاقليمي

845 01:25:00 2012-02-03

كريم الوائلي

اتاح سقوط النظام الدكتاتوري في العراقي عام 2003 فرص مهمة لاقامة افضل العلاقات مع مختلف دول العالم وبشكل خاص مع محيطه الاقليمي وبقدر ما كان العراق خاضع لنظام طائفي استبدادي متخلف اساء لسمعة وتاريخ وحضارة العراق وعكس سلوكياته السياسية والاخلاقية على مجمل علاقاته مع دول الجوار فأن العراق الان يحتاج اليوم الى قدرات اكبر وتدابير عقلائية لاعادة وترميم علاقاته الخارجية ركونا لمتطلبات المصلحة الوطنية وبالاعتماد على مجمل المسارات والسياسات الجديدة للعراق الديمقراطي مع الاخذ بنظر الاعتبار طبيعة واتجاهات ومتغييرات المنطقة وقراءة متأنية ومعمقة لما سمي بالربيع العربي مع كشوفات استباقية للآفاق الاقليمية وما متوقع ان ينتج عنها . ومن المفيد الاشارة هنا ، وقبل كل شئ ، الى اهمية اعادة النظر بقانون الخدمة الخارجية وسد الثغرات الواردة فيه بحسب ما اشار إليها المعنيون بشؤون التشريع وتاهيل معهد الخدمة الخارجية وتطهير السلك الدبلماسي من العناصر غير المؤهلة والمنفعية والمعادية للنظام الديمقراطي الجديد وتقنين ميزانية وزارة الخارجية بما يخدم اهداف عمل السفارات وعكس كل ما يجري في العراق بامانة ومصداقية والتعريف بالعراق وحضاراته وتكثيف الدورات الهادفة الى انتاج دبلماسيين محترفين حيث ان الشخصية الدبلماسية يجب ان تتمييز بفرادتها في التمتع بالتراكم الثقافي والمعرفة الشاملة وتمكنها من استحضار البديهية السياسية ومن سرعة استحضار تاريخ وجغرافية وثقافة العراق في الوقت المناسب والمكان المناسب ومعروف ان الدبلماسي يختلف عن سائر الناس بملبسه ومجلسه ونفسيته وتركيبته الذهنية وبشاشته واحاطته بكل ما يتعلق بشؤون العراق ومصالحة ومواقفه الرسمية ازاء القضايا الدولية وبشكل خاص ما يتعلق بمحيط العراق الاقليمي واتجاهات التيارات المتسلقة ومديات تصاعدها . وتبدو التيارات الصاعدة في بلدان الربيع العربي تكاد تكون على مستوى ونمط اسلامي متقارب ومع ان الجماهير العربية المنتفضة لا تسيّر ب ((ريموت)) دولى مباشر إلا انها تسير على وفق وهوى النظام العالمي الجديد وبتأثير نزول الجيل الرابع من لائحة حقوق الانسان الذي يقضي بأمكانية سقوط الانظمة الدكتاتورية بدعم دولي مباشر او غير مباشر واصبح من المألوف في الشارع العربي المطالبة بالتدخل الخارجي لاسقاط الانظمة السياسية في المنطقة العربية ، و يرجح ان تكون هناك مقايضة غير معلنة بين التيارات الاسلامية الصاعدة والمرشحة لاستلام الحكم في بلدان الربيع العربي وبين محور النظام الدولي الجديد وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية وتقضي هذه المقايضة ، مثل ما يبدو لنا الان ، على تقديم الدعم لهذه التيارات لاقامة انظمة (( ديمقراطية )) وتعددية تحترم الحريات العامة وتنبذ منهج العنف السياسي وتهميش الرأي الاخر مقابل ان يحفظ الاسلامويون مصالح دول محور النظام الدولي الجديد وقطع العلاقات مع ((القاعدة )) وربما اشراك الانظمة الجديدة في الحرب العالمية ضد الارهاب ويرجح بعض المراقبين ايضا ان من شروط هذه المقايضة محاصرة النظام الاسلامي في ايران ، ويبدو للمتمعن ان هذه السياسة تمثل نسخة متطورة من تجربة الصحوات التي اقامتها الولايات المتحدة الامريكية في العراق والتي تقوم على مبدأ التمركز في مركز بيئة ((العدو)) وتفكيك اواصره واعادته ببنيوية مغايرة ، وفي مقابل ذلك تتحرك تركيا بما يوحي الى انها تؤهل نفسها لتكون محور الاستقطاب الذي تدور حولة التيارية الاسلامية الصاعدة في دول الربيع العربي ، فيما تسعى الجمهورية الاسلامية الايرانية الى احراز المزيد من عناصر القوة التي تضمن حقوقها في الحصول على مصادر جديدة للطاقة وصيانة امنها القومي وحفظ مكتسبات الثورة الايرانية ، وعلى ذلك كله فأن الحال يفرض على العراق بناء علاقات خارجية غاية في الدقة والتصميم مع كل دول المنطقة بحيث تضمن مصالح العراق وتصون امنه وتجربته الديمقراطية وتمكنه من اجتياز المرحلة الحالية الحرجة التي يمر بها الان .ومثلما تتمتع بعض دول المنطقة بعناصر قوة تمكنها من وضع اوراقها المنتجة على طاولة المواجهة والتنافس الاقليمي فأن للعراق هو الآخر له اوراقه المنتجة التي تمكنه من احتلال مكانه المرموق وفرض دوره في التحولات الاقليمية ، وعلى الرغم من ان العراق يفقد العديد من الفرص الثمينة التي تتيح له ممارسة دوره الاقليمي بسبب ظروفه الداخلية إلا ان هذا الواقع ، وبحكم ما يقتضيه العمل السياسي ، لا يعيب على الآخرين استثمار غياب وتعطيل الدور العراقي وبالتالي فأنه من السذاجة بمكان ان يتهم الآخرين بمحاولتهم استعادة ماضيهم ((المجيد )) في كل مرة تنشأ فيها مشكلة بين البلدان المتجاورة خاصة وان كل دول المنطقة لها تاريخ وحضارات وتتحدث عن ماض مجيد . ان العراق بتاريخه وحضاراته وبموقعه الاستراتيجي وبثراوته الهائلة وبموارده البشرية وكذلك بنظامه السياسي الجديد وما نتج عنه من مؤسسات دستورية قادر في المستقبل القريب ان يحتل موقعه ويباشرة دوره في التحولات السياسية الجارية في المحيط الاقليمي ، وما يعيب على العراق الآن انه لم يؤهل قدراته الى الحد الذي معهم يستطيع ان يمارس تأثيره الاقليمي ويفرض على دول الجوار كل ما من شأنه ان يقع في مصلحة العراق وشعبه من باب الانصاف والندية ، وعلى ذلك يتحتم على الساسة العراقييين ان يصمموا علاقاتهم الخارجية بعيدا عن التهاتر الاعلامي وابداء ((الذكورية)) السياسية المفرطة المستمدة من حواثل ثقافة الاستبداد الضاربة اطنابها في اللاشعور مثلما هي ضاربة في تاريخ العراق وان ينزلوا بمشاكل العلاقات الخارجية من سقفها الاعلامي الى طاولة الحوار وتبادل المنافع والمصالح وصولا الى ممارسة العراق لدوره الاقليمي بحذر ورؤية تستحضر كل المهيمنات ( خاصة الاقتصادية والامنية ) التي تحيق بالعراق والمنطقة وبالتناسق مع خرائط طرق دول الجوار وكسب المزيد من الوقت واحراز الكثير من الصداقات والمقايضات المنتجة لكل الاطراف . يتعين على الساسة العراقيين ان يقروا الان ان ليس بمقدورهم دخول التنافس الاقتصادي والسياسي على قدم المساوات مع الدول المستقرة طالما ان هناك بيئة سياسية عراقية مربكة يسودها التناحر وتفتقد المعايير الوطنية وخروقات امنية تقض مضجع المواطن في وقت يكون فيه استتباب الامن العام واحد من اهم معالم الدولة المعاصرة ومبعث احترامها وشرط من شروط هيبتها الدولية والثقة بها وبدون ذلك فأن المهاترات الاعلامية وتصعيد مستوى الخلافات لا يفهم منه إلاّ افتعال الازمات والهروب من الواقع المتردي وعدم القدرة على مواجه الازمات التي تعصف بالبلاد .واليوم فأن العراق تتوفر له الشروط الصحية اللازمة لنمو انماط جديد من العلاقات الخرجية الجيدة بعد التخلص من النظام الدكتاتوري وافهام دول العالم وبالاخص دول الجوار ان العراق ماض الى بناء افضل العلاقات الخارجية المتوازنة معهم بعيد عن سياسات النظام البائد وتدخلاته بشؤون الغير والعدوان على الجوار وانه قادر على الاسهام في التدابير الاقتصادية الرامية الى الرخاء الاقتصادي في المنطقة . واسهم الانسحاب الامريكي بتوفير بيئة وطنية خالصة لمد جسور جديدة مع المحيط الاقليمي يأخذ بنظر الاعتبار المصالح العليا للبلاد ويسهم بأستتباب الامن الاقليمي واشاعة اجواء السلام والتعايش السلمي بين شعوب المنطقة وتخفيف التوترات التي قد تنشأ عن الاختلافات الثقافية وصولا الى حالة تسمح بأقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة في مجال الموارد المائية والنقل والسياحة ومشاريع بدائل الاستيراد المبنية على اساس مبدأ الميزة النسبية ، واستثمار التدفقات النقدية المتأتية من الفائض النقدي لمبيعات النفط العربي في مشاريع تنموية تكاملية من اجل رفع الدخل الفردي لشعوب المنطقة بدلا من تبديدها في سياسات خلق المحاور المتناحرة والتدخل في شؤون الغير وتكديس الاسلحة وشحن الاجواء بمفاعيل الاحتراب .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك