فراس الغضبان الحمداني
استنتج التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية ( هيومن رايتس ووتش ) والذي رصد من خلاله انتهاك الحريات وحقوق الإنسان وان العراق سينزلق إلى هاوية الدولة القمعية البوليسية ، ورغم أسلوب التهويل والمبالغة الذي اشتمل عليه هذا التقرير لكن الاعتماد بالانزلاق المذكور قد تبدوا احتمالا مقبولا في حالة استمرار الصراعات الداخلية والسعي في تنفيذ الأجندات الخارجية .
إن الخطأ الكبير الذي تقع فيه هذه المنظمات في كتابة تقاريرها حول العراق هو اعتمادها على مصادر غير موثقة فضلا عن نظرتها إلى الأمور من الخارج دون إن تستطيع من إيجاد تحليلات وتفسيرات لهذا الانزلاق والذي يبدو بان الحكومة لها طرفا صغيرا فيه لان الأجندات الأمريكية والإسرائيلية والقطرية لها دور في تدهور الأوضاع في العراق من خلال تشجيع بعض الكتل على التمرد وإنعاش مطالب غير مشروعة تؤدي إلى الانفصال وخير مثال على ذلك دعوات إقامة الفدراليات التي بدأت في البصرة وانتهت في صلاح الدين وديالى والانبار ومازال الحبل على الجرار .
إن هذه الأجندة هي عنصر مهم في انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير لأنها تخلق أوضاعا من الاضطرابات تدفع بخلق أجواء من الاتهامات والإجراءات القمعية ولعل العنصر الآخر المساهم في عرقلة تحول العراق إلى دولة السلم الأهلي والمدني هو فشل خطط التمنية البشرية والاقتصادية والمفترض أنها غسلت أدمغة المواطنين من الثقافة الشمولية والعشائرية والتطرف المذهبي وزرع في عقولهم ثقافة جديدة لكن الأجواء المضطربة على مدى 10 سنوات الأخيرة أنعشت هذه الروابط التي تمثل علاقات ما قبل المجتمعية وهي علاقات تجمعات العشائرية البدائية في عصر ما قبل تأسيس الدولة .
لذلك فان هذه الثقافة تكشف لنا بأنها القامع الأول للحريات والحقوق ومعنى ذلك تحول القمع من السلطة إلى قمع مجتمعي أي إن المجتمع يقمع نفسه بسبب التخلف والجهل حيث ترفض هذه الجهة تلك الجهة ولا تتعايش معها كما يتطلب ذلك المنهج الديمقراطي ولهذا فان التشكيلات السياسية والكتل الحزبية لم تشكل على أسس ثقافية متمدنة بل هي عبارة عن قبائل وعشائر تحركها النخوة والبداوة ولا تحركها الحضارة وما زال الدين هو المحرك الأساس لتأكيد ايدولوجيا من طرف واحد يقنع الطرف الآخر ويلغيه لا سيما في غياب دور النخب الثقافية في تأكيد نفسها ومسارها .
إذن فان الحقيقة الغائبة عن هذه المنظمات عدم تداركها لسيكولوجية الشعب العراقي في المظاهرات التي اختفت من ساحة التحرير ليس بسبب بطش وقمع السلطة بل لأنها كانت بدون مرجعية ثقافية وسياسية قادرة على الصمود أمام الأطراف الأخرى ونأمل إن يكون الخطأ التشخيصي لهذه المنظمات بسبب الجهل وليس لأسباب سياسية أو استسقاء معلومات خاطئة لان ذلك معناه كارثة ستنهي دور تلك المنظمات في حماية الحقوق والحريات في كل بلدان العالم .
https://telegram.me/buratha