المقالات

القمة العربية في بغداد: جدلية الانعقاد والنتائج

976 21:34:00 2012-02-25

امين ناصر

بعدما جالت حركة التغيير العربي على دول عربية عدة، وأسقطت عروشاً وأحدثت تغييرات يعدّها البعض صورية او شكلية، وبعدما اختلف العرب كعادتهم في الاختلاف، بين مؤيد لبعض رياح التغيير ومعارض لمناخها الذي عده خريفاً، وبعد انقسامات جلية وواضحة في ملف العلاقات العربية -العربية حول تلك الثورة او تلك... يشد العراق الأنظار بقوة الى ضرورة عقد قمة ليست كسابقاتها في بغداد، في خطوة من شأنها تفعيل دور عراق ما بعد صدام، بموقف لعله وسطي بين صراع على النفوذ وآخر على الثروات. الحياد في الملفات الأكثر عتمة وظلاماً، في المرتهن اليومي الذي تشهده التطورات العربية، من تونس وحتى سوريا مروراً باليمن والبحرين، يعكس الحياد ذاته في الانقسام الداخلي العراقي، خصوصاً على مستوى المشهد السياسي اليومي، حيث لا توافق حتى الآن حول عقد اجتماع ولو تحضيري لقمة الكتل العراقية، الذي نادى البعض بتأجيله الى ما بعد انعقاد قمة بغداد. ويبقى السؤال من قلب الشارع العراقي: أما كان الأجدر بالحكومة العراقية الالتفات الى تشظي اللحمة العراقية وحل النزاع بين الكتل التي تنعكس بمواقفها سلباً على المشهد اليومي في العراق من امن واقتصاد وسيادة واستقرار؟ ومن هو الأحوج اليوم الى انعقاد هذه القمة في بغداد، المواطن العراقي الذي كان صوته جسراً وممراً لقادة العملية السياسية العراقية الآن، ام الساسة أنفسهم وتوجهاتهم الخارجية التي تدفعهم الى الإصرار على جلب اكبر عدد ممكن من الزعماء الى بغداد؟ وهل رغبة من هم وراء ذلك، إعادة العراق الى وضعه الطبيعي قبل اعتداءاته على جيرانه وخوضه المغامرات، ام انها مغامرة أخرى وبحلة جديدة (كما حدث بعد قمة بغداد عام 1990)؟. ولعل ما لم يؤخذ بالقوة في عراق ضعيف بحكم إفرازات المرحلة وتداعياتها، يؤخذ بالالتفاف على المرحلة ذاتها. فما هو تحت الطاولة، بحسب المراقب العراقي، غير ما هو فوقها. وجيمس جيفري يهم بزيارات مكوكية الى الخارجية العراقية وأطراف الكتل السياسية لمتابعة هذا الامر. فتذاكر الدعوات الى القمة، وإن كانت تتم حصرياً من جانب فخامته في السليمانية، المصيف الكردي للرئيس العراقي، الا انها تباع في السوق الحرة ودكاكين الكتل، بعدما صارت ورقة ضغط على قانون «دولة القانون» رئيس وزراء العراق. التأجيل الذي منحته الحكومة العراقية لقمتها العربية المزمع عقدها في بغداد ولأكثر من مرة، لم يكن لأسباب تتعلق ببقاء القوات الأميركية من عدمه او لإعطاء الشرعية لزعماء المنطقة في الحضور. فالمحظور قد غادر، إن لم نغفل ان مغادرته كانت انسحاباً الى الكويت وقواعد أخرى في السعودية والسيلية القطرية، اكبر قاعدة للوجود الاميركي في الخليج. لم يكن لأي من هذه الأسباب بقدر ما كان الأمر متعلقاً بهوية الدولة العراقية وعلاقاتها التي يعتقد الخليج بأسره انها تابعة لطهران. امر يكشفه تصلب العلاقات بين العراق ودول الخليج في التمثيل الدبلوماسي، وتبني سياسة النزاع مع العراق في دعم جهات دون اخرى وتقوية فرقاء على حساب اخرين، كما التمسك حتى الآن بالثأرية التي لازمت العراق الجديد حيث المطالبة بالتعويضات من قبل السعودية او الإصرار على إبقاء العراق تحت طائلة البند السابع من قبل الكويت. تمحور دول الخليج، بإمرة عصا القطري وعباءة البحريني وخزانة السعودي وأحقية الكويت من «الفوبيا» العراقية في ضمها مجدداً، ترفع سقف الشروط لتكون ارض القمة عراقية وسقف سمائها خليجي في آن معاً، فتكون صورة أخرى لجامعة عربية مكبرة لزعماء صوريين، بعدما كانت الأخيرة لوزراء شرطهم الأساس إسقاط نظام بشار الأسد وإضعاف الحلف الاستراتيجي المحوري بين إيران وسوريا وخطه الناقل او عموده الفقري.. العراق. وعليه، فإن دول الخليج تسارع الآن لوضع شروطها التي يعجز العراق عن البوح بها. والتي من بين أهمها عدم دعوة الرئيس السوري الى بغداد. وكي نتمكن من فهم الموقف السوري، هو واضح حتى هذه اللحظة في عدم المشاركة. وفي المشاركة او عدمها أمران، أولهما يؤدي بالنتيجة إلى الآخر، وهما انسحاب مجمل دول الخليج ودول أخرى تقف موقف الضد من النـظام السوري، أو لا قمة دون الأسد. فإن كانت القمة، بحسب رئيس الوزراء العراقي، مختلفة عن سابقاتها، في أنها ستناقش أموراً حساسة جداً ومصيرية في المنطقة، فمن سيمثل سوريا في النقاش؟ والجواب، رغم دعوة الرئيس جلال الطالباني الرسمية للرئيس الأسد وتحفظ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على ذلك، انه سينتج عن هذا الامر سوريا غائبة حاضرة ممثلة بالجانب العراقي في تقديم الحلول للمشكلة السورية على اسس توافقية: سيتم في نهاية القمة شجب أعمال العنف من قبل الجانبين (النظام والمعارضة السوريين)، ومباركة الدول العربية والمجالس الانتقالية ووجوهها التي افرزها التغيير، والتي تجد في بغداد فرصة لها ومنبراً في التعبير عن منجزاتها في إسقاط الانظمة، بعيداً عن عواصمها وميادينها الشبابية التي طبعت التغيير. يؤكد المالكي انه تبلغ بمشاركة أكثر من زعيم عربي في القمة، ولم يذكر أسماء. ولعل الأسماء هي للسودان والصومال وموريتانيا والجزائر وسلطنة عمان وليبيا ولبنان والمغرب وجزر القمر واليمن وتونس ومصر والاردن. اما الأسماء الأخرى فإنها تمثل الديمومة لنجاعة العمل العربي، ولعل حضورها من عدمه سيان، وهذا ما لم تقو الحكومة العراقية على اعلانه (اذ انها ستعقد القمة بمن حضر). المتخلف الآن عن القمة هو نفسه المتخلف عن التصريح او الإدلاء بموقف منها، لحاجة في نفسه يسربها لنا البعض من داخل وزارات عراقية مهمة، كالعدل او النفط او الخارجية او الداخلية والنقل، منتظراً الرد من الجانب العراقي. ففيما يتعلق بالعدل: هي رغبة السعودية في عقد صفقة مع الحكومة العراقية تسبق القمة، وتعد شرطاً من شروط التمثيل، تتمثل في الإفراج عن خمسة معتقلين سعوديين من العائلة الحاكمة في سجون وزارة العدل العــراقيــة، او من ألقــي القبـض عليهم في العراق كأمراء في تنـظيم «القاعـدة» («دولة العــراق الاسـلامية»)، وقد ثبت تورطهم بأعمال قتل وتفجير وإرهاب بتمويل رسمي. النفط: طلب كويتي وسعودي في التعويض عن مخلفات النظام الساقط. والتعويض من الميزانية العراقية التي تعد اكبر ميزانية في تاريخ العراق، فضلا عن حسم ملف الآبار المشتركة بين الجانب العراقي من جهة وكل من الكويت والسعودية من جهة اخرى، بالاضافة إلى التنازل عن تلك الآبار لصالح الدولتين. الخارجية: طلب قطري بطرد السفير السوري لدى العراق، وافتعال ازمة معه او مشكلة قبل البدء بالتحضير لانعقاد قمة بغداد. الداخلية: شرط عربي في إدخال قوات عربية كبيرة، تعكف على امن الأمراء وحاشيتهم في حال الانعقاد. النقل: طلب كويتي آخر ملحّ في الكف عن التهديدات التي تطلقها وزارة النقل العراقية، بشأن ميناء مبارك الكبير الذي تشيده الكويت في المياه المشتركة بين البلدين. اما المطلب العراقي الوحيد فهو الاعتراف بسيادته، حيث الحضور على أرضه اعتراف باستقلالية الدولة العراقية، وطي صفحات بنيت وفق ارادات، ولربما ارتدادات أنتجتها المنطقة العربية وتشكيلاتها منذ استقلال الدول فيها، من الاستعمار او الاحتلال، لتتبلور في القمة المزمع عقدها، اقله على مستوى الطموح العراقي. ويندرج في هذا المطلب، حتمية الركون الى مفهوم اشراك الدولة العراقية الجديدة بهشاشة داخلها، في القضايا العربية والمصيرية، لا سيما انه اخذ يتبلور على مستوى علاقاتها الخارجية وأكثر الملفات حساسية، كالملف السوري في الجامعة العربية او مجلس الامن. من جانب آخر، عد قيادي بارز في الكتلة الصدرية رفض الكشف عن اسمه، ان القمة الحالية لا يؤتى من انعقادها في بغداد، الا زيادة في هدر المال العام وإمعاناً في الفساد الاداري و«الكوبونات»، ذلك بعد ان اقرت المالية العراقية ميزانية تحضيرية للقمة تفوق 200 مليون دولار تمت المصادقة عليها من قبل البرلمان. وفي حال انعقاد القمة العربية المرتقبة في بغداد، سيكون العراق قد استضاف ثالث قمة خلال اربعة عقود، حيث كانت الاولى في 2 تشرين الثاني عام 1978 والثانية عام 1990. هذا وقد جرى الانتهاء من تأهيل خمسة فنادق في بغداد، وتحضير قصور كانت لصدام لعقد الاجتماعات، كما شرع العراق رسـمياً بتوجيه 20 دعوة لملـوك عرب ورؤساء. وفي هذه الأثناء، اطلقت الناطقية الرسمية باسم الحكومة العراقية موقعها الالكتروني الخاص بالقمة العربية، لاستقبال طلبات التغطية من قبل الإعلام والمهتمين والمراقبين، في وقت يزور بغداد وفد من الجامعة العربية للوقوف على التحضيرات. كما يشار الى ان الامل في انعقاد القمة هو طموح سياسي بامتياز، لا يلحظه المواطن البسيط لانشغاله بـ«الماراثون» اليومي وراء لقمة العيش او تعزيز امنه المفقود.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك