.كثيرون قد يتصورون ان الكتابة عن الشأن الاقتصادي لها مبعث نفعي او سياسي !!! ، ولكن المسألة هي اعمق واهم من ذلك بكثير ، فتداخل مفردات الرؤيا والإستراتيجية والبرنامج والهدف والمصالح القومية ومعايير الجدوى الاقتصادية – الاجتماعية و و و ، كلها عوامل تجعل من الصعوبة بمكان تفسير او بناء تنظير لكي نشرح صناعة القرار الاقتصادي وآلياتها.
وعودا على بدء نبدأ من العنوان : هل ان صناعة القرار الاقتصادي أمر يتعلق بالفكر ؟ ؟ ، انا – وبتواضع شديد لانني مازلت اؤمن انني طالبة ادرس علم الاقتصاد- ، اؤمن ان المسألة لها اتصال مباشر بالفكر وتحديدا بالفكر الاقتصادي ، اذ اننا لو تتبعنا مسيرة البلدان المختلفة على تنوعها الانساني والتاريخي والتكنولوجي لوجدنا ان هنالك فجوة كبيرة كانت كحلقة مفقودة في سلسلة مستلزمات النجاح لصناعة قرار اقتصادي ناجح، اذ ان القرار لايصنع من رحم الفراغ الفكري وهو رجوع مجازي " لان المادة لاتفنى ولاتستحدث" ، فكذلك القرار لايصنع من فراغ ... وتحديدا من فراغ فكري ، فما هي المحددات ؟؟ وماهي الاهداف؟؟ وماهي المعطيات؟؟ وماهي الاليات ؟؟ تلك جوانب اساسية تقود الى صنع الخلفية الفكرية التي تنتج لنا قرارا اقتصاديا عقلانيا – على اقل تقدير- ، وليس قرارا عشوائيا لايمثل اكثر من رمية قطعة النرد وتظل منتظرا ومتخوفا من الوجه الذي سيظهر لك عندها سنكون في لعبة التخفي والمطاردة اكثر من كونها لعبة الحقيقة المفروضة علينا وتحديات نتائج تلك الحقيقة على بساط الواقع اليومي ومن ثم على مفردات حياة المواطن العادي اليومية و البسيطة من ابسطها وحتى اعقدها تأثيرا. !! ، فتجارب الازمات الاقتصادية لبلدان كثيرة قد يمكن ان توصل فكرتي للقارىء الكريم، اذ لايغيب عن بال الكثير منا ان ماعانته البلدان العربية مثلا من جراء ازمة المديونية الخارجية استنفذ مواردها ومكامن القوة في اقتصاداتها " هذا اذا كانت قد بقيت لها بعضا من هذه المواقع" ..... وعند استعراض هذه التجارب تجد ان هذه الدول اقبلت بنهم على الاقتراض الخارجي وكانه الحل الوحيد لتحديات التنمية الاقتصادية ، هذا الامر ادى الى قبولها لبرامج اقتصادية جاهزة ، ومغلفة بالسوليفان ، ومربوطة بورود صناعية .... لنماذج نمو اقتصادي لدول كانت تصنع ظروفها الاقتصادية والدولية بما يخدم مصالحها وتخلق اسواق لانتاجها السلعي والخدمي وكله في خدمة مصالحها ومصالح شعوبها واستطاعت ان تسجل نماذج اقتصادية متقدمة بغض النظر عن توجهاتها فلم تكتف بسيادة العالم والتكالب على تقسيمه وفق نظرية المصالح العظمى ، بل وصلت الى حرب النجوم وسباق الصواريخ وصناعات الفضاء ..... هذه الدول واستعراضها التعبوي يجعلها بكل تأكيد ذات خصوصية مطلقة في الفكر والتوجه ، اذن في هذه الحالة كان لتلك الدول " الناجحة" فكرا خاصا بها مكنها من برمجة اهادافه ووضع استراتيجيات خاصة بها بل وحتى الارتقاء بمستوى التنظير العلمي الاقتصادي الى مرحلة التنظير الاكاديمي الداعم لتجارب النمو الاقتصادي الخاص بها وهنا بالذات جرس يدق بقوة ليذكرنا باهمية الفكر الاقتصادي الذي ظهر داعما للتطبيق وللسياسات وبقوة حتى اتت برامجها مقنعة ومكتملة الاداء الحكومي .
عندما يكون الامر كذلك " وهو كذلك فعلا " ، فاننا نصل الى نقطتنا الرئيسة وهي ان القرار الاقتصادي يصنعه الفكر الاقتصادي ومن ثم يبدأ هذا النموذج بصناعة الفكر الاقتصادي الخاص به وترويجه . في ذات الوقت يبرز في المواجهة الدول الاخرى التي استوردت النموذج الناجح : هنا يتبادر سؤال : هل تمتلك هذه الجهات الاخرى فكرا اقتصاديا يمكنها من تكييف النماذج الاقتصادية ويطورها ويجعلها ملائمة لواقعها؟؟؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر ، هل تكون تجربة البرازيل مثلا في موضوعة القروض الخارجية ومشكلة المديونية هي ذاتها لدولة اخرى كالعراق مثلا ؟؟؟ ، في هذه النقطة لنا ان نتوقف قليلا: اي موقف فكري نمثل ؟؟ وبالتالي اي فكر نمثل ، وبالاحرى : هل لدينا فكر اقتصادي خاص بنا يستطيع ان يدعم المسيرة العلمية والعملية لمسيرة بلدننا ؟؟؟
اترك اجابة هذا السؤال الى فئتين تحديدا : الاكاديميين الذين يدرسون الاقتصاد في كليات الادارة والاقتصاد على امتداد العراق ، والى السياسيين الذين يصنعون القرار الاقتصادي !!!
9/5/601
https://telegram.me/buratha