علي بابان وزير التخطيط العراقي السابق
دخلت أزمة المياه في العراق فصلا جديدا يبدو أنه يفوق أسوا توقعاتنا ..و باتت المحنة ممثلة في عطش المدن و الآنسان أسرع حدوثا مما بنينا عليه تقديراتنا قبل أعوام ..أطفال ذوو وجوه صفراء بأجساد هزيلة ..و حواضر و قصبات باتت تشكو الظمأ الآ من القليل الذي تحمله الحاويات و التي صارت كضيف ينتظر قدومه بلهفة ..نخيل أنحنت جذوعه و تقزمت قاماته التي كانت تزدهي بطولها الفارع و عذوقها المثمرة ..جفت السواقي و الترع و تحولت جداولها مياها خضراء آسنة ..صارت علب المياه هدية ثمينة توزع على الأسر في الأعياد كجزء من عمليات المعونة المالية..هذه السطور ليست مقدمة لتراجيديا أدبية و لكنها وصف حقيقي لمحنة المياه في العراق و التي لا زلنا في أول فصولها فيما القادم أعظم. الصحف تحمل إلينا أنباء شراء العراق لمحطتين للتحلية فهل هذه هي بوادر الفرج.؟؟ و هل وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح للتعاطي الجدي مع أزمة المياه القادمة ..؟؟.رغم أن خيار تحلية المياه المالحة قد يكون مدخلا مناسبا كأحد الحلول المطروحة لمعالجة الشحة المائية المقبلة في العراق و التي باتت كقدر ينتظرنا خلال السنوات المقبلة إلا أن الصورة لا تبدو مشرقة تماما و هناك العديد من الاعتبارات العملية التي تشكل عوائق في هذا السبيل و أقل ما يمكن قوله هنا هو أن الأمر بحاجة إلى المزيد من الدراسة الفنية و التمحيص قبل إعتماد إستراتيجية المياه المحلاة.من المؤسف أننا في العراق و من خلال تجربتي المتواضعة في وزارة التخطيط غالبا ما نتحمس لبعض الحلول و نرى فيها خشبة الآنقاذ لمشاكلنا و نتناسى الآشكالات العملية المرتبطة بها و عندما يحين موعد التنفيذ نتفاجأ بالمشاكل التي لم نضعها في إعتبارنا و تكون النتيجة خسارة الوقت أو المال أو الجهد.أن الذي نأمله هو أن لا يتحول الحماس لهذا الخيار إلى دافع للتراخي عن المطالبة بحقوق العراق المائية و الدفاع عنها بكل الوسائل المتاحة إذ لا يوجد في واقع الحال بدائل سهلة و عملية تعوض عن حصة العراق في دجلة و الفرات .في البدء أود أن اتناول ( الآشكالية الجغرافية) و المرتبطة بأمتداد الساحل العراقي فبلدنا لا يمتلك ساحلا واسعا كبلدان الخليج العربي التي لجأت إلى خيار التحلية منذ بضعة عقود إذ أن السواحل البحرية عندنا لا تزيد على 58 كم و هو ساحل صغير جدا إذا ما قارناه مثلا بالساحل الذي تملكه السعودية التي يبلغ شريطها الساحلي ( 2510) كم حيث باتت السعودية اليوم المنتج الأول في العالم لمياه البحر المحلاة إذ تنتج يوميا ما يقارب خمس المياه المحلاة عالميا و ستنتج 3 ملايين متر مكعب يوميا في عام 2015 .لقد كنا نكرر دائما بأن العراق يجب أن يستغل كل متر على شريطه الساحلي فنحن بحاجة ماسة لهذا الشريط في بناء الموانئ التجارية و مرافئ تصدير النفط بالإضافة إلى القواعد البحرية و الاحتياجات الدفاعية الأخرى و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ...أين ستقام محطات التحلية إذن فيما إذا راد العراق بناء ميناء الفاو الكبير و توسيع الموانئ الآخرى و إقامة المزيد من ارصفة الشحن لتصدير النفط و القواعد البحرية ..؟؟..هل ستبقى فسحة من الساحل لكي تقام عليها محطات التحلية..؟؟..و إذا كان الجواب بأن حل هذه الآشكالية إنما يكون بدفع موقع هذه المحطات إلى الداخل فينبغي أن نضع في اعتبارنا زيادة التكلفة بشكل كبير بالإضافة إلى المشكلات الللوجستية و البيئية الآخرى التي لن تقتصر على صعوبة مد الأنابيب الطويلة .المشكلة لا تنتهي بالطبع من ضيق الأرض لإقامة هذه المحطات فهناك أيضا ( طبيعة المياه) على الساحل العراقي إذ انها تختلف بتركيبتها تماما عن مياه البحر و التي تعتمد عليها محطات التحلية في أقطار الخليج العربي فهي في العراق مياه ضحلة تحتوى على نسبة كبيرة من الطين و الملوثات الأخرى المختلفة و مخلفات السفن إذ أن الموقع البحري الضيق و الطبيعية الترسيبية المتمثلة بالساحل الطموي الضحل تحتم إجراء عمليات معالجة الرواسب و التخلص من الملوثات و الطين قبل دفع المياه إلى محطات التحلية المصممة اصلا للتخلص من الأملاح في مياه البحر ولا اعتقد أن تقنيات التحلية التقليدية مؤهلة للتعاطي مع مياه بهذه المواصفات بين الفاو شرقا و مدخل خور الزبير غربا (مع وجود التفاوت الطفيف في طبيعة المياه داخل هذه المسافة ) فالاعماق بسيطة و مشكلة قلة الأعماق ستعيق عمليات التحلية كما اعاقت عمليات بناء الموانئ ، و بالطبع فأن إنشاء محطات التحلية سيزيد التلوث في هذا الشريط لأن تصريف المياه العادمة في البيئة البحرية على الساحل العراقي سيؤدي إلى آثار فيزيائية و كيميائية و بيولوجية سلبية و إذا كان إتساع السواحل في دول الخليج مع الأعماق الكبير يوفر هامشا للتعاطي مع هذا التلوث فأن ضيق الشريط الساحلي العراقي و صغر اعماقه لن يتيح ذلك مما يعني تضاعف مشكلة التلوث بعد إنشاء هذه المحطات و بما يجعل المياه المستخدمة في التحلية أقل صلاحية لهذا الغرض .و إذا اخذنا بنظر الاعتبار أن الموقع المفترض للمحطات في العراق هو في محافظة البصرة بأعتبار إطلالتها على الخليج لأدركنا حجم المجازفة البيئية فهذه المحافظة هي المنتج الأول للنفط في العراق مع كل ما يحمله انتاج النفط من مخاطر بيئية تتمثل في تلويث المياه و التي تجد طريقها في لآخر المطاف إلى الخليج و شط العرب فمن المعلوم أن عمليات إستخراج النفط ينتج عنها كميات كبيرة من المياه الملوثة التي تكون مختلطة بالنفط المستخرج فضلا عن كميات المياه التي يفترض أن تضخ في الحقول قبل البدء بالانتاج ، و إذا راعينا شحة المياه اصلا في البصرة و التلوث الناجم عن الماء الذي ينجم عن إنتاج النفط لأدركنا أن إنشاء محطات التحلية و ما ستخلفه من مخلفات المياه و العوادم ستضع البصرة على حافة كارثة بيئية حقيقية و سنكتشف بعد سنوات أن حجم الضرر البيئي قد فاق العائد الذي جلبه النفط المستخرج و أن مدينة البصرة العزيزة ثاني مدن العراق قد اصبحت لا تصلح للسكن ، و بالطبع فأن هذا لن يحدث بسبب محطات التحلية الجديدة و لكن هذه المحطات ستكون ( ضغثا على إبالة ) كما يقولون فالبصرة اليوم في وضع بيئي لا تحسد عليه و اهلها يهجرونها بسبب المياه المالحة و قد لمست ذلك بنفسي عند زيارتي للمدينة قبل حوالي العامين إذ حملني اهلها رسالة إلى الحكومة مفادها ( إذا لم تتداركو البصرة و توفروا لها المياه النقية فأن اهلها سيهجرونها ..فلم يعد لدينا مزيد من الصبر و نحن نشرب المياه المالحة و نخيلنا الذي كنا نباهي به مدن العالم يموت كل يوم ) .تجتهد الدول المنتجة للنفط لاستيعاب و تطويق الآثار البيئية الناجمة عن إنتاج النفط و خاصة التخلص من المياه التي تخرج مع النفط فهذه المياه ذات سمية عالية و عادة ما تلزم الدول الشركات العاملة سواء أكانت أجنبية أم محلية بضوابط مشددة للسلامة البيئية و يحصل ذلك من خلال نصوص العقود التي توقع مع هذه الشركات حيث تتضمن إلتزامات واضحة بهذا الشأن أو من خلال الرقابة الميدانية على عمل هذه الشركات للتأكد من عدم حصول أي تقصير أو اهمال بهذا الخصوص ، لم أطلع على النصوص التي تتناول البعد البيئي في العقود التي وقعتها الحكومة العراقية مع الشركات العاملة في البصرة و غيرها ولا معرفة لدي بمستوى الرقابة الحكومية الميدانية و لكني افترض بأن الشركات لا تكترث عادة بالضرر البيئي خاصة إذا كان ذلك يكلفها نفقات إضافية و هناك شواهد عديدة على كوارث بيئية تسببت بها شركات النفط عندما لم تراع نصوص العقود البعد البيئي أو لم تتحقق الرقابة الفعالة على اعمالها ، و على سبيل المثال فقط فأن السعودية تتخلص من المياه الناجمة عن انتاج النفط بخزنها في مناطق برية معينة ذات خصائص جيولوجية محددة تقلص من تأثيراتها الضارة ، و لقد صار البعد البيئي الضار المصاحب لعمليات الانتاج النفطي من الهموم الكبيرة و التحديات الأساسية للدول المنتجة و صارت الشركات تنفق المزيد من المال على الأبحاث في هذا الجانب .و إذا جئنا إلى البعد الاقتصادي فعلينا أن ندرك بأن انتاج المياه المحلاة ليس رخيصا ابدا بل هو عال التكلفة تنوء به حتى الدول الغنية فهو يبلغ ما بين اربعين سنتا أمريكيا إلى ستين سنتا لكل متر في المياه القليلة الملوحة و ( دولارا واحد إلى دولار و عشر الدولار ) في المياه العالية الملوحة و علينا هنا أن نراع اختلاف مواصفات المياه العراقية كما اسلفنا و تأثير ذلك على التقنيات المستخدمة و التكلفة .كتقديرات اولية نتوقع أن العراق عام 2025 سيبلغ عديد سكانه 43 مليونا (حسب تقديرات الجهاز المركزي للاحصاء ) و إذا افترضنا أن تركيا استمرت بمشاريعها على دجلة و الفرات و نفذت سد أليسو على دجلة فأن ما يقارب من ( 30 مليونا من السكان من بين ال 43) سيكونون بحاجة ماسة لمياه التحلية و هم في الغالب سكان المنطقتين الوسطى و الجنوبية من العراق من بغداد حتى البصرة و هذا بدوره يقودنا التي تقدير أن هؤلاء سيكونون بحاجة إلى ما بين ( 3 ملايين إلى 4 ملايين متر مكعب يوميا ) و بحسبة بسيطة (تحتوي على قدر كبير من المجازفة و هامش الخطأ ) فأننا سننفق ما بين 40 إلى 50 مليون دولار يوميا ( إذا ما تجاوزنا كل الاشكاليات البيئية و الجغرافية المرتبطة بأنشاء هذه المحطات ) هذا يعني ما بين مليار و مائتي مليون دولار شهريا إلى مليار و نصف المليار دولار و كذلك ما بين اربعة عشر مليار و 400 مليون دولار سنويا إلى ثمانية عشر مليار سنويا ، بقى أن نعرف أن السعودية تستهلك مليون و نصف المليون برميل من النفط يوميا ( و هي تنتج ما بين العشرة ملايين إلى 12 مليون برميل حاليا ) و إذا اخذنا هذا الرقم (1,5) مليون برميل يوميا بالنسبة للعراق نجد أن الانتاج المفترض للعراق من المياه المحلاة عام 2025 سيحتاج ما بين مليونين برميل إلى مليون و نصف برميل يوميا و هو يشكل ما بين( تسعين إلى خمسة و سبعين بالمائة) من صادرات النفط العراقي بالمستويات الحالية و هو امر لا يمكن تقبله بسهولة من الناحية الاقتصادية .رب معترض يقول أن العراق لن يكون بحاجة لهذه الكميات الضخمة من المياه و أنه لا ينبغي مقارنته بالسعودية البلد الصحراوي الجاف الذي تنعدم فيه الأنهار و الجواب على ذلك هو أن عدد سكان العراق اليوم يزيد بحوالي عشرة ملايين نسمة عن السعودية فهو 31 مليونا فيما السعودية عشرين مليونا نصفهم تقريبا من الوافدين ثم اننا نأخذ بنظر الاعتبار التقديرات الدولية حول تراجع امدادات دجلة و الفرات في السنوات القادمة مما سيجعل الحاجة الكبيرة بالفعل خصوصا في وسط و جنوب العراق و نتحدث عن حجم مستقبلي للسكان بحدود 40 مليون نسمة على الأقل سيكون ثلاثة ارباعهم بحاجة لامدادات إضافية من المياه.نفترض ايضا أن جغرافيا العراق و مواقع الإستيطان الحضري فيه ستحتم إنشاء انبوب ناقل للمياه المحلاة يمتد من البصرة إلى بغداد قد يكون بفرع واحد و تفرعات جانبية بحيث يمر بالمدن الكبيرة كلها أو بفرعين اثنين يغطيان كل المدن العراقية على خطى دجلة و الفرات هذا بالطبع سيقلص طول الأنابيب إذا ما قارنا الأمر بالسعودية التي تتغذى مدنها الكبرى بخطوط مختلفة على جانبي الساحل السعودي فالرياض تتغذى بمحطة في الخفجي و المدينة المنورة تأخذ مياهها من محطة ينبع بينما تغذي محطة جدة كل من مكة المكرمة و الطائف ، بالطبع علينا أن ندرس تكلفة هذا الأنبوب الناقل و تكلفة المحطة و إذا كانت دولة بثراء السعودية و هي قد قطعت شوطا كبيرا في بناء هذه المحطات و تشغيلها منذ عدة عقود قد قررت أن تلجأ إلى الخصخصة بهذا القطاع فأعتقد أن العراق لن يكون أمامه خيار سوى الخصخصة كذلك ، هذا بالتأكيد سيلقي عبئا اضافيا على كاهل المواطن الذي اعتاد عبر تاريخه أن يحصل على الماء بالمجان .و نحن نناقش الابعاد الاقتصادية لتحلية المياه في العراق علينا أن نتذكر امرين هامين ... الأول إذا قررنا السير في هذا الخيار و نجحنا في التغلب على تحدياته المرتبطة بخصوصيات الجغرافية العراقية فعلينا أن نتذكر حقيقة هامة للغاية مفادها ( أن التكلفة الإضافية لإنتاج الماء العذب كمنتج جانبي من توليد الكهرباء أقل بكثير من تكلفته بالتقطير بمفرده) ..هذه الحقيقة تكتسب أهمية استثنائية في وضع العراق الحالي فنحن اليوم نخطط لبناء المزيد من المحطات الكهربائية لحل مشكلة نقص الطاقة الكهربائية لذلك بأمكاننا أن نسعى للهدفين معا ( حل مشكلتي الكهرباء و الماء في آن واحد) و هنالك العديد من المقترحات العملية في هذا الشأن لعل أكثرها أثارة للانتباه هو اللجوء إلى المحطات الغازية التي يطلق عليها(co-generation ) و المعروفة بأنتاجها الوفير من المياه ، احد الباحثين العراقيين و اظنه السيد حمزة الجواهري قدر الماء الناتج عن استخدام هذه المحطات ( لو تم التوسع في استخدامها ) بحجم المياه في حوض الفرات و للوهلة الأولى يبدو التقدير مبالغا به بالنسبة لي لكني لست في موضع المختص الذي يجزم بذلك و أنا و غيري بحاجة إلى سماع اراء الفنيين و الاعتماد على ملاحظاتهم بهذه الخصوص .الاعتبار الثاني الذي يفترض أن يدخل في حساباتنا يتمثل في أن التكلفة الاقتصادية الشاملة لانتاج مشروع التحلية و خلال فترة حياته ينبغي أن تشمل التشغيل و الصيانة ولا تقتصر على التكلفة الرأسمالية للمشروع.دول الخليج من حولنا تخصص المليارات لا بل عشرات المليارات لبناء محطالت التحلية و تشغيلها و منظورهم متكامل يدمج بين خطط توفير الطاقة الكهربائية و المياه المحلاة و انتاج النفط في أن واحد و هي نظرة عملية فيها الكثير من التوفير الاقتصادي و الشمولية في التعاطي مع الملفات الثلاث و اعتقد اننا يجب أن نسلك السلوك ذاته لما فيه مصلحة بلادنا و اجيالنا القادمة .هنالك بعض الأسئلة الأساسية التي ينبغي الإجابة عليها عندما نتحدث عن تحلية المياه في العراق..فهل ننشئ محطة عملاقة واحدة أم نقوم بتشييد أكثر من محطة ...؟؟ و هل سيقف الأنبوب الناقل للمياه عند حدود بغداد أم يمتد لأبعد من ذلك ..؟؟و كيف يمكن و لو - جزئيا - التغلب على نوعية المياه غير الملائمة للتحلية في السواحل العراقية ...؟؟قد تبدو هذه التساؤلات تفصيلية إلى حد كبير و لكن لابد من طرحها و استيفائها إذا اردنا بناء منظور استراتيجي لإستخدام خيار التحلية في العراق ثم البناء عليه ، و كمقترحات اولية اعتقد أن بناء ( لسان) يمتد لأبعد نقطة في المياه الاقليمية العراقية من جهة الفاو قد يوفر حلا جزئيا لمشكلة نوعية المياه و ما اقصده باللسان هنا ارضا يتم إقامتها بعد ردم مياه البحر و هو نفس الأسلوب الذي سينفذ به ميناء الفاو الكبير الذي يجري التخطيط له فالتصور الايطالي الذي تم إعتماده للميناء يقوم على ردم البحر و إقامة مراسي على شكل أصابع الكف عندما يتم تفريقها و بالإمكان اللجوء لمساحة مشابهة تقام عليها ( محطة عملاقة ) للتحلية يفصل بينها و بين منشئات الميناء و مرافئ تصدير النفط بمسافة مناسبة و من الواضح أن مياه شط العرب التي تحولت مبزلا للمياه العراقية و الإيرانية لا تصلح لهذا الغرض بسبب التلوث الواسع و المتعدد الصور فيها .في حالة تبني خيار إنشاء محطة واحدة و هو الخيار الذي قد يرغمنا ضيق مساحة الساحل على تبنيه فأن هذه المحطة ستكون عملاقة بكل ما تعنيه الكلمة و قد تصبح من أكبر المحطات في العالم و ليس من المؤكد أن كان مثل ذلك متاح من الناحيتين العملية و البيئية .أما بخصوص مد الأنبوب إلى ابعد من العاصمة بغداد فأن الدولة ستكون أمام خيارين، الخيار الأول تخفيض حصص جميع المحافظات من إمدادات دجلة و الفرات و تزويد كل المحافظات بالمياه المحلاة من خلال مد الأنبوب إليها، أو جعل المحافظات الأخرى شمال بغداد تستأثر بحصص الأنهار و التي ستكون شحيحة بطبيعتها و اقتصار الخط على بغداد و المدن جنوبها.الخيار الأول فيه صعوبة إجبار المحافظات و خاصة (محافظات الصدور ) التي تستقبل مياه الأنهار أولا على الإكتفاء بحصصها و عدم التجاوز على حصص ( محافظات البزايز) خاصة في ظل الشحة المتوقعة .أسعدني أن المقالة التي كتبتها قبل ما يقارب العام تحت عنوان ( البكاء عند أنهار تحتضر) قد احدثت بعضا من ردود الأفعال المناسبة و نبهت إلى حجم الخطر المحدق بدجلة و الفرات ، و قد قرأت للدكتور عبد الخالق حسين إشارة إلى ذلك المقال و مما لفت نظري فيه ما ذكره حول أستاذ أكاديمي عراقي متخصص في هندسة المياه في جامعة سري البريطانية هو الدكتور عادل شريف يرى أن الحل في تحلية مياه البحر و نقلها عبر الأنابيب من الخليج إلى المناطق العراقية و تحليتها بتقنية جديدة عن طريق الطاقة الشمسية و الضغط الأسيسموسي ولا شك أننا بحاجة لأن نصغي للدكتور شريف و غيره من الخبراء العراقيين في هذا المجال لكي يتم إغناء الموضوع من الناحية الفنية و اتمنى أن أراسل الدكتور شريف و أحصل على عنوانه لأتواصل معه فيما يتصل لهذا الموضوع .أن خيار تحلية المياه قد يصبح خيارا اجباريا خلال السنوات القليلة القادمة و هذا يقتضي إجراء الدراسات المعمقة حول التكلفة الاقتصادية و التغلب على المعوقات الجغرافية و البيئية و استخدام التقنيات المناسبة للعراق ، و كأقتراح مبدئي ارى من الضرورة إنشاء قسم لهندسة محطات التحلية في جامعة البصرة و كذلك مركز للإبحاث متخصص بهذا الموضوع في نفس الجامعة و أن تبذل وزارة العلوم و التكنولوجيا جهودا إضافية في هذا الشأن مع تعاون الخبراء العراقيين في الجامعات الأجنبية الرصينة بالإضافة إلى جهود وزارات( الموارد المائية - البلديات - التخطيط - الزراعة ) و قد تكون الدعوة لمؤتمر تخصصي يتدارس هذا الخيار من جوانبه المختلفة ( الجغرافية و البيئية و الاقتصادية و العلمية ) ذو فائدة كبيرة في هذا الجانب و في آخر المطاف فأن تطوير منظور وطني استراتيجي في موضوع تحلية المياه في العراق يبدو امرا في غاية الألحاح و الأهمية .
https://telegram.me/buratha