بقلم/ ضياء المحسن
لا شك ان العنف والعدوان، سلوك يظهر في سلوكيات كثير من البشر، ويرجع الى عوامل ودوافع تحركه؛ وقد عرف السلوك العدواني والعنف في كل العصور، وكانت أول صور العنف بين ابني آدم ـ عليه السلام ـ عندما تقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الأخر فقتل الخاسر أخاه الرابح حسدا وظلما. والسلوك العدواني هو ما يقوم فيه المعتدي بإيذاء غيره أو نفسه وغيره معا. ولفترات التنشئة الأولى في الصغر دور كبير في إكساب وتعليم هذا السلوك، وقد يصبح مميزا لبعضهم في مرحلة الشباب، وقد يبدأ السلوك التخريبي منذ الصغر في صورة إتلاف الممتلكات والمقتنيات أو تشويهها تعبيرا عن عدم الإستجابة للمطالب أو الأنانية. وتتنوع الأسباب المؤدية الى العنف والإرهاب والتطرف، وهل أن الإسلام دين إرهاب " كما يصوره الإعلام الغربي" أم أن الإرهاب هو صناعة غربية بالأصل. يتفق الجميع على أن الإرهاب مرفوض مهما كانت دوافعه، وهو آفة لا مجال لتسويغها ويجب محاربتها بكافة أشكالها وإجتثاث جذورها وتجفيف منابعها؛ لكن السؤال هو: هل الإستنكار وحده يكفي للقضاء عليها، وهل الأمنيات يمكن لها أن تجفف منابع الإرهاب؟ هذه محاولة لفهم وتفسير هذه الظاهرة.بداية جاءت الأحاديث النبوية الشريفة لتجعل الرفق نقيض للعنف فقال الرسول الأكرم " صلى الله عليه وآله وسلم" (( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)).تعود الأسباب الفكرية للإرهاب والعنف والتطرف في أغلبها، الى معاناة العالم الإسلامي اليوم من إنقسامات فكرية حادة بين تيارات مختلفة. والسبب في ذلك هو الجهل بالدين والبعد عن التمسك بتوجيهات الإسلام. ومن أبرز التيارات المعاصرة، هي:1ـ تيار علماني: يدعو الى بناء الحياة على أساس دنيوي وغير مرتبط بالأصول الشرعية، ولا بالتقاليد والعادات وهي من وجهة نظر أصحاب هذا الإتجاه عوائق في طريق التقدم والإنطلاق نحو الحضارة.2ـ تيار ديني متطرف: يعارض المدنية الحديثة وكل ما يرتبط بالتقدم الحضاري، فهي من وجهة نظرهم إلا فسادا في الأخلاق وتفككا في الأُسر وجمودا في العلاقات الإجتماعية. فهم يرون أن الحضارة تجعل الفرد يعيش لنفسه ملبيا لرغباتها متنكرا للأداب والفضيلة.ما هو الإرهاب!!من الصعوبة بمكان تحديد الفروقات الدقيقة بين مفهومي العنف والإرهاب، غذ أن مضمونهما واحد. ولعل الفرق الدقيق بينهما يعود الى الدوافع و الأهداف المرجوة من كل منهما. فالإرهاب سلوك تنظر إليه معظم النظم السياسية على أنه صورة من صور الجريمة المنظمة، وهو يرتبط بعملية تخويف أو ترويع العامة. وغالبا ما يعرف الإرهاب على أنه فعل جماعات منشقة عن النظم السياسية أو التيار العام في المجتمع. فيوجه أفعاله ضد نظم سياسية معينة، أو رموز هذه النظم من اجل إحداث تغييرات تتفق وأهداف هذه الجماعات.إن العنف بكل مستوياته وأشكاله ليس وليد الصدفة أو الفضاء المجرد، إنما هو نتاج عوامل وأسباب عديدة أدت الى نشؤ هذه الظاهرة وبروزها في الفضاء الإجتماعي والسياسي العربي.عوامل وأسباب الإرهاب!!1ـ الأسباب الدينية ـ الثقافية:إن مشهد العنف المعاصر فير الفضاء العربي تقوده جماعات وتنظيمات تنتسب الى الإسلام، وترفعه شعارا ومشروعا لأجندتها وأهدافها، وعندما نتأمل في هذه الظاهرة نكتشف أن القراءة الدينية أو الفهم الديني لهذه الجماعات، هو عامل من عوامل جنوح هؤلاء الى الأخذ بأسلوب العنف. وبالتالي يجب أن لا يفهم بأن العنف يجد له مرجعية في العقيدة الإسلامية " جميع المذاهب تدين الإرهاب".والحقيقة هي أن دم الناس يسفك يوميا بفتاوى رجال يشك في مدى حجيتهم الدينية، إن الذي أرادوه جهادا بات ينذر بأن يتحول الى فتنة، من هنا لا علاقة للدين بالأمر إلا من حيث نصوص ووقائع قابلة للتأويل.2 ـ الأسباب السياسية:عديدة هي المؤشرات والحقائق التي تؤكد أن المشهد السياسي يعيش الكثير من المشكلات البنيوية والهيكلية، التي لا تؤثر على راهن العرب فحسب؛ بل على مستقبلهم ومكاسبهم الحضارية. وبسبب هذه الأزمات والمشكلات البنيوية التي يعانيها، تعمل الكثير من النظم والمؤسسات على ممارسة أنواع العنف كلها لتجاوز نقط الضعف البنيوية. وبدلا من أن تبحث هذه المؤسسات عن حلول واقعية لهذه الأزمات، فإن إستخدامها للعنف يفاقم من المشكلة. وهكذا نصل الى حقيقة أساسية وهي: أن أحد الأسباب الرئيسة لبروز ظاهرة العنف، هو غياب حياة سياسية سليمة ومدنية في الوطن العربي " توريث الحكم من الأباء الى الأبناء، تهميش الأكثرية وحكم الأقلية" وعليه يجب رفض محاولات الإستئثار في السياسة بغض النظر عن الأيديولوجيات الحاكمة، والوقوف بوجه محاولات تهميش الآخر وإقصاؤه مهما كانت المبررات المطروحة.3 ـ الأسباب الإقتصادية ـ الإجتماعية:ثارت مدن الصفيح في فرنسا عام 1789، وفي روسيا عام 1917، وفي إيران عام 1979 فأسقطت طغاة مستبدين وغيرت مجرى التاريخ. ولو تأملنا في وقائع العنف في الوطن العربي لأكتشفنا "ودون عناء" أن إخفاقات التنمية والتفاوت الصارخ في مستويات المعيشة والبطالة وتدني مستويات الحياة والعيش الكريم، من أهم اسباب بروز ظاهرة العنف في الوطن العربي. لذلك فإننا نلاحظ أن القاعدة الإجتماعية التي تعتمد عليها جماعات العنف وتوفر لها الكادر البشري والحماية، هي مدن الصفيح وأحزمة البؤس التي تضرب طوقا رمزيا وماديا على كبريات المدن العربية " تمثل مدن الصفيح 12% من سكان مدينة الدار البضاء المغربية، في حين يمثلون 39% من سكان مصر، أما في العراق؛ ففي في بغداد وحدها 225 مستوطنة عشوائية ( بحسب وزارة الهجرة والمهجرين)" فلا يمكن أن نغفل الأسباب الإقتصادية والعوامل الإجتماعية في بروز ظاهرة العنف، "لأن آليات العنف تتحرك صعودا وتصعيدا بالتناسب مع هبوط مؤشرات التنمية وتدهور معدلات التوازن في توزيع الثروة" فالتدهور الإقتصادي يقود الى تصدعات إجتماعية خطيرة، والتي توفر كل مستلزمات بروز ظاهرة العنف بين النسيج الإجتماعي. فليس مستغربا أن تتحول حالات التهميش الإقتصادي الى قنبلة قابلة للإنفجار. فماذا ننتظر من إنسان لا يملك ادنى ضرورات حياته، ويفتقد الى نظام الرعاية والحماية الإجتماعية، في الوقت الذي يرى الحياة مستمرة. يقول الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" (( لو كان الفقر رجلا لقتلته)) هذا النوع من المجتمعات مرشح للعنف بكافة أشكاله وأدواته، فالفقر لا يقود الى الإستقرار، والبطالة لا تؤدي الى الأمن، بل إنهما الأرضية الإقتصادية الإجتماعية لبروز حالات التمرد والعنف. إن ظاهرة العنف في الوطن العربي مركبة، نشأت عن إجتماع جميع الأسباب التي ذكرناها أنفا.الضمان الإجتماعي عامل إستقرار ( كندا) مثالا!!يعني تعبير الضمان الإجتماعي، كافة الإجراءات التي تضمن البقاء وحماية وتحسين شروط الحياة بمجملها، وهو يغطي كافة البرامج المالية التي تضعها الدولة لتعويض الفرد عن الخسارة في دخله السنوي أو في حالة عجزه عن العمل " لمختلف الأسباب" وفي كندا تعمل الحكومة على ثلاث محاور لرعاية مواطنيها هي:أ ـ ضمان حد أدنى من الدخل للعاطلين عن العملب ـ توفير نوع من الحماية في حالات المرض والشيخوخة والبطالةت ـ توفير الخدمات الإجتماعية لكافة أعضاء المجتمعوتتيح زيادة الإعتمادات في الموازنات الحكومية تحسين ضمان الدخل وخاصة بالنسبة للمسنين وكذلك المعوقين والمستفيدين من برنامج المساعدة الإجتماعية.نخلص من هذا بأن ظاهرة العنف في الوطن العربي والعراق تحديدا، نتاج وضع إقتصادي صعب يمر به المواطن تتلقفه منظمات لها أجندات سياسية خاصة ترتبط بدول خارجية. وعلى السلطتين التشريعية والتنفيذية العمل بكل ما من شأنه أن يرفع من المستوى المعيشي للمواطن بحيث لا يعود يلتفت الى خطابات هذه الجماعات، وكذلك النهوض بالواقع الخدمي والبنية التحتية لقطاع الخدمات، و تحسين الخطاب السياسي للجميع والإبتعاد عن الشد الطائفي في الخطاب لدى البعض
https://telegram.me/buratha