هل يرتبط مفهوم الهوية بالأرض فقط؟ أم أن هناك حبال أخرى تربط الهوية بمثابات مختلفة غير الأرض؟ أم أنه يتعين أن يتم إستحضار العوامل الاجتماعية لتشكل الهوية في علاقتها بالتراب، وأن لا بد من تفهم موقعها في المجال الثقافي، لتشكل بالمحصلة مفهوما متكاملا لها.؟ وإذا كان هذا الموضوع قد استأثر بالعديد من المقاربات والدراسات التي تباينت في مناهجها واختياراتها ومستوياتها المعرفية، فإن هذه الأسئلة وغيرها ناقشها كثير من المهتمين بوضع إطار للهوية، يمكن المعنيين من التعامل مع محددات معروفة تسهل لهم بناء مواقف وقناعات على أساسها..
وفي موضوع شائك ومعقد مثل موضوع الهوية، تنبري حقول المعرفة والإطارات المرجعية والنوازع الأيديولوجية لفرض محدداتها على تشكيل الهوية للأفراد والمجتمعات.
وخلال هذا الإنبراء الذي يتحول في منعطفاته المهمة الى صراع، تصدر أحكام تعسفية وتصادر آراء وتقمع مفاهيم، وفي أوقات الضجيج لا يعلوا إلا صوت التعسف والإقسار الفكري..سيما وأن أسئلة الهوية لا يمكن مقاربتها بيسر، ولا يكفي للإجابة عليها تعميم سطحي، لأن الهوية ببساطة ميدان رحب للوجود والإلغاء، ومباءة للحرية والإستبداد..
وبديهي أن الحديث عن الإنسان ـ الفرد اليوم لا يتسم بالعملية، ولا يعني شيئا، لأن لا يوجد إنسان فرد في عالمنا..فالإنسان اليوم وإن أحتفظ بملامح فردية وصفات خاصة ومجال حيوي غردي، لكن هامش كل ذلك محدود جدا، ولا يمكن التعامل مع الإنسان إلا بصفته عضو في جماعة، وهكذا حينما يجري الحديث عن الهوية فإن المقصود الجماعة..! وعودا على الأسئلة التي طرقت رؤوسنا في بداية القول، فإن علاقة الجماعة بالأرض لم تعد كافية لتشكل ملامح هوية لتلك الجماعة، فالأرض ضاقت كثيرا، ومفهوم سعتها الطوباوي تقلص الى أدنى حدوده، ولم يعد العالم إلا قرية صغيرة، وبانت الكرة الأرضية على حقيقتها، جرم سماوي صغير جدا وجدنا أنفسنا عليه بإرادة ليست إرادتنا، بل أن إرادة كبرى هي التي وضعتنا هنا على الأرض، مثلما وضعت غيرنا على غير أرضين..!
ولذلك فإننا لم نعد بحاجة للإجابة على السؤال الأول من أسئلة المفهوم، وصار لزاما علينا أن نبحث في مثارد أخرى للمفهوم الهوياتي..وكلما ضاقت الأرض فإننا مجبرين الى أن نبحث في خلفيات الهوية الدينية وأبعادها التاريخية والثقافية والسياسية..
إن الحديث عن الهويات الكبرى مقنع بلحاظ العوامل والخلفيات المشار إليها..واليوم ليس من الترف الفكري، أو التطرف العقلي أن نتحدث عن هويات أريد لها أن تغيب لأسباب تتعلق بإرادات المتغلبين من أصحاب الهويات الأخرى، هؤلاء الذين لم يجدوا غير الأرض وسيلة لتشكيل مفهوم هوياتي..
وفي هذا الصدد ألتغييبي، فإن الأمة الشيعية هوية متكاملة بنيت تراكميا، تأريخيا وسياسيا ومجتمعيا..والمجتمع الشيعي مجتمع متكامل جدا يمكن تمييزه عن باقي المجتمعات، وإن كان خاضعا بحد ذاته لإستقطابات الثابت والمتحول، لكن الثابت الأكبر فيه والغير قابل للتحويل فيه هو العقيدة..
كلام قبل السلام: بإمكاننا أن نفهم الحياة إذا تطلعنا إلى الوراء..لكننا لا نستطيع أن نحيا إلاّ إذا تطلعنا إلى الأمام..!
سلام.
https://telegram.me/buratha