بُنيت مدينة البصرة في بداية الحكم الإسلامي في العراق، في موقع إلى الشمال الغربي من الابلة وموقع مدينة البصرة الحالي، ومنذ عصر الخلافة الراشدة كما يطلق عليها في كتب التاريخ، كانت البصرة ولاية ذات أهمية سياسية وعسكرية واقتصادية، لما لها من موقع جغرافي وثروات متعددة وكثافة سكانية،كما تحولت إلى حاضرة تمتد حدودها حتى البحرين، يوم لم تكن التجمعات السكانية في الحضر والريف، على امتداد الضفة الغربية للخليج تمثل مركزا حكوميا أو ثقافيا.
وفي أيام الحكم الأموي والعباسي للدولة الاسلامية، كانت ولاية البصرة واحدة من الولايات المهمة في إيرادات الخزينة ( الخراج انذاك )، وبناء القوة العسكرية للدولة ومركز ثقافي إسلامي هام، شارك في وضع الأسس المميزة للثقافة والفلسفة الإسلاميتين، وسرعان ما أصبحت من مراكز العالم، في تخريج العلماء والفلاسفة وفي دراسة علوم الإسلام، اللغة والترجمة، ومدخل للتبادل الثقافي والتجاري مع الآخرين، ثم أنها بقيت مركز اقتصادي هام إلى يومنا هذا، إي قبل وبعد اكتشاف النفط، بسبب ثرواتها المتنوعة وموقعها البحري، وبقيت كذلك كإحدى ثلاث ولايات تشكل الدولة العراقية.
وتمتاز بانفتاحها على كل الثقافات وبالتجانس السكاني والتعايش السلمي كما أنها تقدم اكبر قسط من التضحية عندما يتعرض العراق للغزو كونها بوابة العراق، وأخيرا وليس أخراً هي موطن النخيل، وخزينة العراق، وبوابته الوحيدة التي يطل منها على العالم الخارجي، فعندما نقول تستحق اهتمام متميز فهو حق طبيعي وليس منة من أحد.
تضائل الاهتمام بولاية البصرة أيام الحكم العثماني الجائر المتخلف، وكذلك الفترات المظلمة التي أعقبته وسارت على ذلك منذ تشكيلها في 1921الحكومة العراقية وحتى حكومة ثورة1958 لم تعتني بلواء البصرة أنذاك ،كما ينبغي رغم إنجازاتها على مستوى العراق أما حكومة البعث من1968 الى سقوط الصنم في 2003فلا اهتمام أو استحقاق في قاموسها لمحافظة البصرة.
إن هذا الإهمال المتعمد معروفة أسبابه ودواعي،ه لكن الذي يلفت النظر ويثير التساؤل، هو أن المستجد الايجابي في السياسة منذ سقوط حكم الصنم والى اليوم، لم يشهد انعكاس يماثله على مكونات الحياة في محافظة البصرة، مثل بناء مشاريع إستراتيجية نوعية ذات نفع عام، كتفعيل الإدارة اللامركزية، وتوزيع الإيرادات بما يتناسب وحجم الاحتياج والضرر الذي لحق محافظة البصرة، بل نشهد حالة التردد والخوف من الإقدام على مثل هذه المشاريع، ولو أنها حاجة ماسة لكل العراقيين من الشمال الى الجنوب، سيما وأن مبررات ودواعي الخوف والتردد قد اضمحلت، وأن العراقيين دفعوا بدمائهم ضريبة التخلص منها، ومن حكم الطغيان والاستبداد، وأصبح في مزبلة التاريخ الى حيث لا رجعة، كما أن حالة التطور والحداثة التي تطالعنا كل يوم بالانجازات العملاقة في العلم، تضغط على مكونات الشعب، وتوجب التحرك السريع لتحقيق تنمية حقيقية، وبالتالي فمن حق العراقيون التطلع والأمل أن يلحقوا بالعالم.
إن الالتفات الى الخصوصية المميزة للبصرة، يحتم أن تكون الحكومة المحلية في البصرة، ذات حضور فعال في ادارة الوجودات الحكومية المختلفة، وهذا يعني في لغة الإدارة، توسيع صلاحيات حكومة البصرة، وبلغة الشارع يعني تقليص مفهوم عبارة (ننتظر جواب بغداد روح الى بغداد)..مما يحتاج الى غطاء قانوني، حتى تستطيع القيام بأعمال التنسيق بين مختلف النشاطات، والتخطيط الشامل للمشتركات للمنطقة جميعا.
أذا كانت أسباب تضائل الاهتمام بالبصرة في الفترة المظلمة، أسباب قبيحة فأن الأعذار التي يتذرع بها الذين يؤخرون صدور(تشريع البصرة عاصمة اقتصادية) أقبح، حتى من الفعل نفسه، فهي أسباب واهية، وأن أقواها يعد سبب ثانوي جداً لا يملك مبرر، وهنالك هامش واسع للمناورة والحركة،
أن الذين يقفون بوجه التحولات الواجبة مرحلياً، سواء كانوا من مكونات الحكومة المركزية أو البرلمان، فإنهم يقفون بالضد من تطلعات الملايين، لبلوغ مسببات الحياة العصرية الكريمة، والأمر يحتم تمييزهم، فهم صنفان: الصنف ألأول، أعداء خائفون ومرعوبون من أن تتطور البصرة! فأولئك ينفذون أجندة معادية، وهم دائما يقفون بالضد من مصلحة هذا البلد، وعلى القيادات البصرية وغيرها أن يدركوا ذلك، ولا يخدعهم معسول الكلام، أو تفرقهم أمام هذا الهدف المصيري ولاءات وانقسامات حزبية..والصنف الثاني أولئك الذين تنقصهم المعرفة والشجاعة، ولا يعتنون بعامل الزمن، فهؤلاء مخدوعين ومتخلفين، يجب أن لا يصلوا الى كراسي القرار، ولا يحق لأحد السكوت على فعلهم، فإدمان السكوت على حالة الإهمال ، ينتج نسيان الحقوق، كما أن القناعة بالواقع والتغاضي عن الاستحقاقات وعدم المطالبة بهل، يعد خنوعا ومثلبة تشجع على الشك بأن هنالك حق طبيعي مسروق أو مسلوب.
صبر البصريون طال كثيرا وأرجو أن لا يعفهم أحد بأنهم قد استسلموا للقدر، بل إن صبرهم يعني أن طبيعتهم المسالمة دائماً تنعكس في ردود فعلهم.
ويتعين أيضا أن يسود فهم رسمي لدى الحكومة المركزية، بأن الصلاحية التي يجب أن تمنح لحكومة البصرة المحلية ليست لغيرها هي ضرورة قائمة ومتجددة، عالجها مقترح البصرة عاصمة اقتصادية، حيث أنه يوفر غطاءا قانونيا شرعيا له مبرراته الاقتصادية والديموغرافية.
إن أطروحة المجلس الأعلى الإسلامي في العراق المتميزة، ,حكمة وفطنة السيد عمار الحكيم، بالتشخيص الدقيق للمصلحة العامة، والقاضية بإعطاء كل ذي حق حقه، والحريصة على إعمار العراق، ضمن برنامج زمني يتسابق مع الزمن، تمثلت بصيغة الغطاء القانوني للبصرة عاصمة اقتصادية، وذلك يكفل عدم ضياع الحقوق والطلبات المشروعة، وهي التي تتولى تحديد الصيغ وتوقيت الإعلان و لأولويات للمحافظات والمدن ومنها مشروع البصرة عاصمة اقتصادية للعراق..
https://telegram.me/buratha