بقلم: أ.د. وليد سعيد البياتي
توطئة: هذه الطروحات جاءت بالاصل لتشكل جملة من طروحاتي في دراسة أسباب نشوء الصراع السلبي في الوجود، وهي دراسات تشكلت بمجملها خلال الاربعين سنة الماضية وقد أعدت ترتيبها، وقد أظهر بعض جوانبها للنشر وفقاً لما إعتمدته من منهجي العلمي في نشر المعرفة. ولكن كموقف علمي لايجوز لاي كان نقل أو إستعمال نصوص موادي العلمية إلا من خلال موافقتي وإلا فانه سيعتبر سرقة لمادة علمية ولذا وجب التنويه.حين يتم الحديث عن شريعة الغاب أول ما يتبادر للذهن هو ذلك الصراع الحيواني من أجل البقاء حيث تكون طائفة من الحيوان في قائمة غذاء طائفة أخرى، حتى صار هذا المفهوم مصطلحاً فكرياً وأدبياً يعبر عن الصراع الحيواني في الحياة، ولو القينا نظرة متجردة على هذا النوع من الصراع لوجدناه صراعاً طبيعيا خالياً من النفاق الاجتماعي، والانحياز الطبقي، أو المحسوبيات وغيرها، لانه صراع طبيعي وفق معايير التفوق الطبيعي التي تعتمد على القوة المجردة.فالصراع داخل قيم الغابة يبقى صراعاً حقيقياً يؤدي لغايات منطقية، وهو قد يقع في حدود سلسلة الغذاء والحفاظ على الرقعة الجغرافية أو الاوكار. فالجانب المنطقي هنا تعبر عنه الغريزة الحيوانية من أجل البقاء. الكائن والصراع:من أهم الملاحظات العقلية في شريعة الغاب أن الحيوانات من نفس النوع أو من ذات الفصيلة لا يأكل بعضها بعضاً، فقد يتقاتل ذكرين من نفس النوع على نيل أنثى في موسم التزواج ولكنه لا يقتل احدهما الاخر في ذلك الصراع ولكنه صراع من أجل إظهار القوة الذكورية لا غير، ويحدث ذات الشيء من أجل الحفاظ على الرقعة الجغرافية الخاصة بكل ذكر، وهذا من مميزات شريعة الغاب، ولكن لا يمكن أن يقتل أسدٌ أسداً آخر لأجل الغذاء فالحيوانات من نفس الجنس والفصيلة لا تقتات على بعضها البعض. وقد تحدث حالات من قتل بعضها لصغار البعض الاخر كأحد أشكال عملية ضمان قوة النوع وهذا الاخر لا يعتبر شذوذاً في شريعة الغاب. فالحياة هناك تتطلب نوعاً من القوة والقدرة على البقاء في ظروف قاسية تتبع معاييراً لا يمكن أن تتحقق إلا في هذا الجانب من الحياة.إن ما يحدث من صراع ضمن قوانين شريعة الغاب هو خاص بهذا الجانب من الحياة ولايمكن تطبيقة على على جميع جوانب الحياة، فحتى القوانين الاجتماعية والعلاقات العاطفية في عالم الحيوان تختلف عنها في عالم الانسان مع وجود اوجه من التشابه والتناظر هنا وهناك.الإنسان ونزعة القتل:من الملاحظ هنا ان الجنس البشري ومنذ فجر التاريخ يلجأ لحل إشكالاته مع الوجود من خلال تنامي عملية الصراع المؤدي للقتل، وهذا بحد ذاته شكل موقفاً نفسياً ووجودياً أكثر مما هو تشريعياً في فهم عملية الصراع، وقد يبدو تاريخياً أن بني آدم ومنذ التاريخ الاول تعودوا قتل بعضهم البعض لأغراض 99% منها تافهة ولا قيمة عقلية لها، فمنذ أن قتل قابيل أخاه هابيلاً والجنس البشري مهووس بالقتل. فالحروب والصراعات حملت الكثير من القتل وقد تطول بعض الحروب عقوداً وتقضي على أجيال كاملة، فلم يذكر لنا التاريخ أن قبائل من الذئاب أو الضباع أو غيرها شنت هجوما على قبائل من بني جنسها والتهمتها ودمرت مساكنها وهتكت أعراضها وقتلت أطفالها، ولكننا نرى هذه الحروب بين القبائل البشرية على مسار حركة التاريخ. فثمة قتل من أجل السلطة والمناصب، قتل من أجل الغنائم والنساء، قتل، من أجل الاسترقاق والحصول على العبيد، قتل من أجل الشهوات بكل أنواعها، وقتل من أجل إرضاء النزعة للقتل لا غير.الجنس البشري جنس قاتل بطبيعته، وإلا كيف يمكن تفسير قتل قابيل لاخيه هابيل؟ ففي ذلك العصر لم يكن في الحياة إلا آدم وزوجته وولدين وبنتين، أي ان كل البشرية كانت تتمثل في ستة أشخاص فقط، ثلاث ذكور وثلاث إناث، ومع هذا يقوم احد الولدين بقتل أخيه!!قد يلجأ مفسري الشريعة والقوانين إلى طروحات يدخل فيها مفاهيم الارادة الالهية وعلم النفس والترتيب الطبيعي للحياة، ولكننا لو نظرنا من موقف عقلي نجد ان الصراع في ذلك الوقت كان محدودا،ً فوفق الرويات التاريخية والقرآنية كانت الحياة بسيطة وشريعة آدم بسيطة، تلبي احتياجات بسيطة جداً لمجموعة محدودة من البشر، لانه لم يكن عليه أن يعمل لكسب القوت، والارض كانت تنتج كل شيء، والعدد قليل فلم يكن هناك صراع طبقي ولا إجتماعي ولا صراع سياسي أو إقتصادي. فالقتل جاء لتحقيق رغبة آنية لا غير. سواء كان من أجل أنثى كما تذكر بعض الروايات أو من أجل موقف آخر.إن الظهور المبكر لهذه النزعة في القتل يؤشر على تأصيل في نفس الجنس البشري يدعو للقتل، قد يأتي بمفهوم (النفس الامارة بالسوء)، أو بمفاهيم تعكس التنامي المتسارع للاتجاهات السلبية في الانسان على الاتجاهات الايجابية.لكنه بالتأكيد موجود وبقوة تفوق العديد من الاشياء ما لم يتم التحكم بها، ولم يتبقى في مواجهة هذه النزعة إلا العقل، وحين يتخلى الانسان عن العقل يفسح مجالاً رحبا للنزعات السلبية في الوجود لتظهر وتتحكم في مسارات الحياة.أ.د. وليد سعيد البياتيالمملكة المتحدة - لندن
https://telegram.me/buratha