جلست جماعة من نواب الشعب الفرنسي، من المعارضين للملكية، قبيل الثورة الفرنسية، على يسار رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، فيما جلس مؤيدو الملكية على يمينه!
ومنذ ذلك الحين؛ أصبحت أماكن الجلوس في البرلمانات، تعبر عن مواقف النواب السياسية من الحكومات القائمة، فالذين يجلسون على اليسار؛ هم المنتقدين الراغبين في التغيير، ويتبعهم في موقفهم مؤيديهم ومحازبيهم..وفي البداية؛ كان إذا تغيرت الحكومة، تبدلت المواقع ويصبح اليسار يمينا، واليمين يسارا، دون تتبدل الأفكار!
وشيئا فشيئا صار اليسار منهجا، يعبر عن دلالات الرغبة بالتغيير الإقتصادي والأجتماعي، ثم صار يعبر عن الرغبة بالثورة كمنهج للتغيير، بعد أن أكتشف اليساريون أنهم غير قادرين بواسطة الجلوس على مساطب الجهة اليسرى، ولا حتى بالقصائد والرسم التشكيلي والخطب الثورية، أن يحدثوا التغيير الذي ينشدونه.
ومع أن الإسلام دين واحد، ليس فيه يسار ويمين بالمفهوم الذي أشرنا اليه، إلا أن واقع الحال يشير الى أن ثمة صراع دائم داخله!..
صراع أشار اليه رسولنا الأكرم، صلواته تعالى عليه وعلى آله، مخاطبا أمير المؤمنين علي عليه السلام: ( أنا قاتلتهم على تنزيل القرآن وأنت تقاتلهم على تأويله)..
قتال التنزيل أنتهى بالنصر المؤزر للرسول الأكرم، وكانت النتيجة أن بين أيدينا قرآن (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).. وبواسطته أُنشأت أمة جديدة، غير تلك الأمة السفيانية الجاهلة، أمة لها قواعد مقعدة، ونظام محكم بمصادر تشريع ألهية.
إلا أن قتال التأويل كان هدفه الإصلاح في الأمة، التي لم يحسم التنزيل أمر إنشائها تماما؛ فنكثت ومرقت وقسطت، عن جادة الصواب التي رسمها لها مؤسسها..
وفيما لم يستطع علي عليه السلام حسم معركة التأويل تماما، لكنه أسس مدرسة للتغيير والإصلاح الدائم، رفع لوائها آله ومن والاهم من بعده، وفي مقدمتهم ريحانتي الرسول، الحسن والحسين عليهما السلام..
الأول عليه السلام؛ قضي مسموما من أجل التأويل المفضي الى التغيير، والثاني عليه السلام، قضي تحت سنابك الخيل هو وأهل بيته وأصحابه، لتتأسس الى الأبد مدرسة التغيير الدائم، التي لن يتنكب عن مسارها، كل السائرين على دروب الحرية والإنعتاق، والخلاص من الظلم والجور..
لقد تأسست مدرسة يسارية ثورية، أوسع مفاهيمية من مفاهيم اليسار الراهنة، ولذلك نقرأ ونسمع لمشاهير الثوار في العالم، كلمات بحق أبي عبد الله عليه السلام، لا تعبر عن عشق فقط، بل أن معظمها قيلت عن إدراك عميق، لأثر المدرسة الحسينية في بناء الشخصية اليسارية العالمية!
كلام قبل السلام: يقول الزعيم الصيني ماوتسي تونغ لمن ابتعدوا عن الحسين عليه السلام: عندكم تجربة ثورية وإنسانية فذة قائدها الحسين، وتأتون إلينا لتأخذوا التجارب؟!
سلام..
https://telegram.me/buratha