المقالات

مجلس التعاون الخليجي يتصدع من داخله

744 09:01:00 2013-12-22

كشفت القمة الرابعة والثلاثون التي عقدت الاسبوع الماضي في الكويت هشاشة الوضع الداخلي لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وكيف ان ذلك قد بدأ ينهش في الجسد المبتلى بامراض الخلافات البينية والعجز عن مواكبة التطورات الاقليمية والدولية. هذه المرة لا يستطيع احد ان يلقي اللوم على ايران لهذا التصدع الذي اصبح يقلق اصدقاء التحالف الخليجي الذي أنشىء في 1981.

وبرغم مرور ثلث قرن على ذلك التأسيس فقد بقيت الظروف متشابهة بين زمن التأسيس وبداية التصدع. يومها كانت دول المجلس قلقة جدا من احتمال وصول رياح التغيير الى حدودها بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران التي كشفت قدرة الجماهير على احداث التغيير الجوهري عن طريق الثورة السلمية. كما كانت الحرب العراقية الايرانية قد انطلقت بعنف واصبحت المنطقة كلها تعيش القلق مما تخبئه الايام اللاحقة.

الصحوة الاسلامية كانت آنذاك فتية، فاستجابت لنداءات التغيير وبدأت الحراكات السياسية في اغلب البلدان العربية والاسلامية. افغانستان يومها كانت هي الاخرى، كما هي اليوم، تعيش حالة توتر عسكري نتيجة الاحتلال السوفياتي وتوجه المجموعات الشبابية للمشاركة في ما كان يسمى آنذاك ‘الجهاد الافغاني’. اليوم المشهد يتكرر مع اختلاف اسماء اللاعبين، فرياح التغيير اصبحت تقترب اكثر من حدود دول المجلس، والازمة السورية حلت اصبحت، كأفغانستان، مصدر قلق كبير للجميع بعد ان تحولت الى مركز تدريب لعناصر العنف والتفجير.

فاذا كان ‘المجاهدون’ في افغانستان يوجهون طلقاتهم للقوات السوفياتية فحسب، فان رموز ‘الاسلام الجهادي’ كما يسمونه، اصبحوا يستهدفون ابناء جلدتهم ويفجرون انفسهم بدون حساب. ولن تستطيع فتوى المفتي السعودي الاسبوع الماضي بتحريم العمليات الانتحارية احتواء الموقف بعد ان تحول العنف الى نمط حياة للمجموعات التي ترعرت باموال النفط. كما ان هذا النمط من اعمال العنف اصبح جزءا من استراتيجة توسيع النفوذ السياسي للسعودية، تستخدمه في مناطق شتى اصبحت مبتلاة بوجود مجموعات تعتبر قتل المسلمين ‘جهادا’ في سبيل الله، بتوجيه من جهات سياسية ذات مصالح متشعبة واهداف متداخلة.

القمة الخليجية هذه المرة واجهت تراكمات السياسات الفاشلة عبر ثلث قرن، وأدى تجاهل زعماء المجلس لدعوات الاصلاح ونداءات التطور خصوصا على صعيد الممارسة الداخلية ودور الشعوب الى تفاقم هذه المشاكل حتى بلغ بعضها مرحلة الاستعصاء على الحل. حكومات دول المجلس تدرك ان السياسة السعودية ساهمت في فتح المجال لتعقيد الوضع وايصال الازمة الى حدودهم، وبالتالي اصبحوا اكثر ميلا لعدم الانصياع لتلك السياسات، وادركوا ضرورة البحث عن بدائل في مجال العلاقات والعمل المشترك. فبدلا من حث حكومة البحرين على الاستماع لمطالب شعبها بعد انطلاق الثورة في 2011، ادى التدخل العسكري السعودي لتفاقم الامور بشكل اصبح من المتعذر انهاء الازمة بسهولة. ومع تواصل الحراك الشعبي البحراني تتعمق الازمة السياسية وحالة الاحتقان في المنطقة.

وبرغم طرح التفسير المذهبي لهذه الازمة، فقد اثبت توسعها ان القضية تتجاوز الانتماء المذهبي او الايديولوجي وتتصل بالمنظومة السياسية لدى دول مجلس التعاون وعدم قدرتها على مواكبة تطورات شعوبها.

قمة الكويت ناقشت القضايا التقليدية التي ما برحت تفرض نفسها على اجندة القمم المتعاقبة. ومن القضايا التي تطرح في القمم العمل العسكري المشترك والتعاون الاقتصادي والعملة الموحدة والموقف ازاء ايران وتطوراتها المتعاقبة، والموقف من القضية الفلسطينية. ولكثرة تكرار القضايا موضع النقاش، اصبح المراقب يستطيع التنبؤ بصيغة البيان الختامي قبل الاطلاع عليه. هذا يعني التداعي المتواصل لمصداقية قمم المجلس ووصولها الى حالة من الرتابة جعلت وسائل الاعلام الدولية تحجم عن متابعتها او بذل الجهد لتغطيتها المباشرة. صحيح ان قادة المجلس الذين أسسوه تغيروا واستبدلوا بوجوه جديدة، ولكن بقيت الهيمنة السعودية بأيدي الجيل الاول من ابناء عبد العزيز الذين تقادمت اعمارهم واصبحوا غير قادرين على ادارة الملفات الحساسة والساخنة. لقد سعت الكويت لانجاح القمة، واتخذت اجراءات استثنائية لاضفاء حالة من الاستقرار الداخلي بتبرئة جميع الذين اتهموا باقتحام مجلس الامة في وقت سابق من هذا العام. مع ذلك بقيت الخلافات تفرض حاضرة بقوة.

البيان الختامي لم يحتو مبادرات حقيقية لتحريك الملفات الجامدة، خصوصا في مجال الحريات العامة ومناقشة اسباب الحراكات المعارضة للانظمة، او طرح سبل لممارسة مبادىء حرية الرأي والتبادل على السلطة والتعددية. وجاء نص البيان الختامي على ضرورة الاهتمام بالقطاع الشبابي ليكشف الخشية الكامنة لدى هؤلاء الزعماء من تكرر ما يحدث في البحرين. فالشباب هنا هم الذين يقودون ثورات التمرد ضد الانظمة التقليدية، وهم الذين يعتقلون ويعذبون وتصدر الاحكام القاسية بحقهم. والدعوة الخليجية محاولة لترويضهم وابعادهم عن التفكير الجدي في حياتهم او المطالبة بالتغيير أسوة بما فعله نظراؤهم في الدول العربية الاخرى التي شهدت ثورات شعبية ضد انظمة الحكم فيها. انها محاولة للقفز على الواقع وهذا امر لا يستقيم مع من يسعى للبقاء في الحكم فترة اطول بشكل هادىء ومستقر. فقد مارست انظمة الاستبداد اساليب التخدير والالهاء ولم تفلح في قتل روح التمرد ضد الظلم. وقد احتفى العالم مؤخرا برحيل نيلسون مانديلا الذي حظي بتقدير العالم بسبب نضاله وتضحياته وصبره وتحمله اصناف الاذى في السجن وبعده، ومن المؤكد ان شباب الخليج يتأثر، كغيره، برموز التغيير ويسعى لمحاكاتهم. فاذا كان القمع هو الرد الذي ينتظره، فمن المؤكد ان مسار التغيير سيفرض نفسه بشكل أشد وسيكون عمر النظام السياسي الذي يمارس القمع والاضطهاد أقصر.

فان لم يقبل الحاكمون بالتغيير التدريجي الهادىء، فسيعرضون أنظمتهم لتغيير عاجل وشامل، وهذه احدى سنن الحياة السياسية. دول مجلس التعاون مطالبة بفتح مجال الحريات والابتعاد عن الكبت، وعدم مجاملة حكومتي الرياض والمنامة او مسايرتهما في اساليب تصديهما للمطالبين بالاصلاح والتغيير، فذلك ليس الحل الامثل للتعاطي مع المطالب المشروعة. ويبدو ان مجلس التعاون ادرك اخيرا ضرورة التصدي للدعوات الطائفية التي تمزق الامة، فأشار في بيانه الختامي الى ضرورة التصدي لتلك الدعوات، ولكي تكون هذه الدعوة ذات أثر فمن الضرورة بمكان ان يتم تجريم تلك الدعوات وانها لا تخدم مصالح الشعوب بل تساهم في تمزيقها واحداث حالة استقطاب وفق خطوط التمايز المذهبي والديني، وهذا ليس في مصلحة الاوطان.

فاذا كانت فلسفة اقامة منظومة سياسية كمجلس التعاون الخليجي مؤسسة على القناعة بضرورة توحيد المواقف والجهود على الصعيد الحكومي، فان مواطني دول مجلس التعاون يستحقون الاحترام والحماية من السقوط في وحل الاحتقان الاجتماعي واثارة النعرات الطائفية، وترويج المذهبية والتمييز والمحاباة.

حظي المقترح السعودي باقامة اتحاد خليجي باهتمام الحاضرين الذين تباينت مواقفهم ازاءه. ويبدو ان الامر قد حسم ضد اقامة اتحاد بين المشيخات الخليجية في المستقبل المنظور. لقد كان طرح اقتراح انشاء اتحاد خليجي مرتبطا بالازمة السياسية التي تعصف بالبحرين، وهي قضية متواصلة تؤرق كافة حكام الخليج. وينظر الكثيرون بقدر من الاعجاب بالطريقة التي عالجت فيها سلطنة عمان الاحتجاجات السياسية التي حدثت في ربيع 2001 على غرار ما حدث في البحرين. الفرق ان حكومة مسقط تعاطت مع تلك القضية بقدر من الحكمة، وبدلا من استفزاز المشاركين فيها، سعت لاحتوائهم والسعي لتحقيق بعض مطالبهم.

بينما تصر العائلة الحاكمة في البحرين على التصدي للمطالبة بالتغيير، وتصدر الاحكام بالسجن الطويل على زعماء الحراك الشعبي، وتتمادى في اجراءاتها حتى تصل الى سحب جنسية عشرات النشطاء. ولكي تتضح صورة الاتحاد الخليجي وبواعثه يجدر العودة لربيع 2001 عندما بدأت حكومة البحرين تتصدى للتحديات التي تواجهها، خصوصا الثورة التي تعصف بالبلاد والتي تطالب باحداث تغيير جوهري فيها. فبدلا من محاكاة النمط العماني في التعاطي مع الازمة، اختارت حكومة البحرين اسلوبها الخاص الذي تميز بقمع شديد في التعاطي الميداني مع الاحتجاجات والتظاهرات، وباستدعاء القوات السعودية للمشاركة في القمع.

هذا النمط ادى بشكل تدريجي الى مخاوف شتى لدى حكومات الدول الاخرى الاعضاء بمجلس التعاون الخليجي. فاي من هذه الحكومات لا يرضى بتدخل خارجي في شؤون بلده لان ذلك يعني التخلي عن السيادة لطرف بعيد. ولا تنظر تلك الدول للسعودية بارتياح مع استمرار الخصومات معها خصوصا حول القضايا الحدودية.

فهناك خلاف حدودي بين السعودية والامارات حول ملكية الارض التي تشمل حقل الشيبة النفطي.

وتختلف الامارات مع السعودية حول السياسة تجاه سوريا. فبينما تدعو الامارات لحل سياسي تدعم السعودية مجموعات مسلحة خصوصا ‘جيش الاسلام’ المسلح وجناحه السياسي ‘الجبهة الاسلامية’. وهناك خلاف مع الكويت حول السيادة على جزيرة قاروه وحول الجرف القاري الذي لم يترسم حتى الآن. وفي الاسبوع الماضي حدثت مناوشات على الحدود مع اليمن بعد ان حاولت السعودية احتلال بعض المناطق الحدودية الغنية بالنفط. وتؤكد وزارة الدفاع اليمنية ان الاعتداء الاخير على وزارة الدفاع قام به مسلحون سعوديون.

أغلب دول مجلس التعاون الخليجي يرغب في علاقات طبيعية مع ايران. بل ان سلطنة عمان هي التي توسطت لترطيب الاجواء بين الولايات المتحدة وايران، الامر الذي اغضب السعودية كثيرا لانها رأت في ذلك التوافق إضعافا لموقعها الاستراتيجي.

ويبدو ان واشنطن ارادت تلقين الرياض درسا بليغا، بعد ان ألمحت في وقت سابق الى عزمها على تطوير علاقاتها مع روسيا والصين، الامر الذي اغضب الولايات المتحدة. والكويت هي الاخرى عملت منذ سنوات لاقامة علاقات متوازنة مع السعودية ومع العراق وايران، وذلك بسبب شعورها انها محاصرة بثلاث دول كبيرة وان مصلحتها لا تتحقق الا بعلاقات متوازنة معها جميعا.

وتبقى البحرين وحدها التي ترى في العلاقة مع السعودية مصلحة استراتيجية خصوصا بعد ان تدخلت السعودية عسكريا في مارس 2011 لقمع ثورة البحرين، الامر الذي اعتبرته المعارضة تنازلا عن السيادة لصالح البيت السعودي.

هذه الاختلافات ساهمت في تحويل منتدى ‘حوار المنامة’ الذي اقيم قبل اسبوعين في العاصمة البحرانية الى ميدان قتال حاد كشف للعالم، للمرة الاولى منذ 30 عاما، هشاشة الكيان السياسي الخليجي برغم استمراره في عقد القمم واللقاءات. فقد فاجأ وزير الخارجية العماني الحاضرين باعلانه رفض مشروع الاتحاد الخليجي. وعندما اعادت السعودية طرحه تاركة لعمان حق عدم الانضمام اليه، بادر وزير الخارجية العماني لاطلاق تهديد هو الاخطر منذ تشكيل مجلس التعاون، معلنا ان بلاده ستنسحب من المجلس اذا ما فرض الاتحاد عليه. لقد خرج الجميع عن اللغة الدبلوماسية وتبادلوا الصفعات العلنية في مؤتمر المنامة الذي حضره وزراء خارجية من دول عديدة.

29/5/131222

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك