محمد مكي آل عيسى
في قوله تعالى : إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الزمر : 7]ألم يكن من الأولى أن يقول ولا يرضى من عباده الكفر ؟أو أن يقول ولا يرضى بكفر عباده ؟أو غيرها من التعابير التي تبين عدم رضا رب العباد على عباده عند كفرهم به ؟. . .
لكن بقليل من التأمل نستشعر أن هناك بعدا آخر في الآية فهي لا تنظر لرضى الله وسخطه بسبب كفر الناس به أبدا بدليل أنها بدأت ببيان أن الله غني عن العالمين وأن عبادة الناس له وكفرهم به لا يزيد في ملكه ولا ينقص شيئا وهو غني عنهم كل الغنى . لكنها ناظرة إلى أمر آخر وهو أن الكفر صفة دنيئة سيئة تهبط بمستوى الإنسان ليتسافل دركة بعد أخرى على سلم التكامل الإنساني فيفقد بذلك إنسانيته التي خلق من أجلها .وأن الله يحب الناس ولا يرضى لهم أن يسلكوا هذا المسلك المضر بهم والذي يقودهم للشقاء والخسارة الأبدية حيث أن الكفر هو إنكار للحق وهذا لا يليق بالإنسان وإنسانيته كما أن الكفر إنكار لنعم المنعم وتفضله . وإنسانية الإنسان تتحقق بشكره المحسن لا بجحوده ((وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)) ونرى أن الله قال ولا يرضى لعباده الكفر فخصهم بنفسه وقال عباده إعتزازا بهم تبارك وتعالى فهو جلّت قدرته رؤوف بعباده محب لهم لا يرضى لهم ما يؤذيهم ويشقيهم بل يريد لهم كل خلق حسن ومنها الإعتراف بالحق وضرورة شكر المحسن وحمده والثناء عليه .لذا أكد جل وعلا على توحيده فبذلك يحكم العقل ويسود النظام القيمي الأخلاقي العالي على المجتمعات الإنسانية ويكون قانون الحق والمبادئ هو الحاكم فيها لا غيره.وهنا نرى أن عين الرعاية الإلهية تتعلق بسعادة الناس ووصولهم إلى حقيقة الإنسانية إلى ما ينفعهم بحق لا لحاجة منه تعالى لذلك لكنه جل شأنه لطفا بهم ورحمة بهم يدعوهم لما فيه رضاه وصلاحهم ولا يرضى لهم غير ذلك .والله العالم محمد مكي آل عيسى
https://telegram.me/buratha