المقالات

المؤامرات هل تبرر الاخفاقات

1288 14:39:00 2007-07-02

بقلم : كريم النوري

لعل من المبكر في القول بان نظرية المؤامرة التي طالما علقت عليها الحكومات اخفاقاتها واخطاءها وبررت من خلالها فشلها وتراجعها هي نظرية معمول فيها في المناخ السياسي ولا يمكن انكارها او التهوين من حدتها وواقعيتها. ولكن في ذات الوقت لا يمكن تعميميها على مجمل الاداءات السياسية وجعلها حاضرة في كل خطوة سياسية متعثرة او مترددة. التهويل والتضخيم من هذه النظرية يجعل حكامنا معصومين لا يخطأون ولا يخفقون ويسيرون الى الاقدار معصوبي العيون بلا خيار ولا قرار.

ومن هنا فاننا لا نخفف من حضور نظرية المؤامرة الى حد السذاجة والافراط في التبسيط ولا نهول ونضخم منها الى حد الاسفاف بل اعتقادنا ان العالم كله لا يتحرك بمنأى عن المؤامرة كما انه لا يتوغل فيها الى حد النخاع فلا افراط او تفريط بل امر بين الامرين. وبعيداً عن التهويل او التهوين فان المؤامرة حاضرة بكل الاحوال والظروف لكنها لا تعني بالضرورة اننا لا نتحمل قدراً من الوزر السياسي الذي يفتك بالشعب. والتعويل على نظرية المؤامرة بشكل مفرط يشل حركتنا وتطورنا ويمنعنا من الوقوف على اخطائنا واخفاقتنا بل يشجعنا على الامعان في الاخطاء ويغيّب المحاسبة والمراقبة والمسائلة ويشعرنا باننا بعيدون عن الاخفاقات غاية البعد.

والاخطر من ذلك كله يقودنا الاعتقاد المطلق بالمؤامرة الى الوهم القاتل باننا ابطال ومستهدفون وغير مهزومين، بينما المطلوب عند حصول الازمات والانتكاسات مراجعة مواقفنا وادائنا وتشخيص الخلل ومحاسبة المخطئين والمقصرين وليس مكافئتهم واحترامهم واعتبارهم من ضحايا المؤامرة المزعومة. نحن لا ننكر المؤامرة كما ذكرنا وعلى فرض حصولها لا يعني باننا لسنا جزءاً من المشكلة او اغلبها، بل علينا الاعتقاد بالمؤامرة والاعتراف ايضاً باخطائنا. مصيبة زعمائنا العرب بانهم يتعاملون بالمؤامرة في كل حركاتهم وسكناتهم حتى لو اصيبوا بالزكام فانهم يحملونه على المؤامرة او تآمر الهواء عليهم.

ونتيجة لتكريس التثقيف الرسمي عليها عبر وسائل الاعلام اصبح اغلب المواطنين يعتقدون بها حتى كأنها قدر ملازم لا يفارقهم واغراهم على تعميق الاعتقاد بها المحللون المضللون الذين يحاولون تبرير اخطاء الحكام ومكيجة وجوههم امام الشعوب واعتبارهم مناضلون يتعرضون باستمرار الى مؤامرة الاعداء من الخارج.استطاع جمال عبد الناصر الرئيس المصري الاسبق من تحويل الهزيمة والنكسة في السادس من حزيران الى انتصار على واشنطن وتل ابيب مع تسميتها الرسمية بالنكسة!ويلجأ الى مسرحية تضليلية لخداع الرأي العام المصري والعربي فيعلن استقالته من موقع الرئاسة الذي يسعى اليه بالدبابات والدماء والانقلابات ليقف الشعب معترضاً على قرار الاستقالة الخادع فيتحول عبد الناصر من زعيم مهزوم الى زعيم عربي كبير وقائد تأريخي مع حصول الهزيمة والنكسة. وصدام المقبور كان ابرز نموذج للتضليل المؤامراتي فلم يعترف يوماً باخطائه القاتلة وحماقاته البائسة او على الاقل يلمح الى تحمله مسؤولية بعض الهزائم والانتكاسات التي مرّ بها العراق. ووظف اعلامه في تبرير اخطائه وتلميع صورته البشعة امام الرأي العام المحلي والدولي بالاضافة الى الاعلام العربي والاقلام المأجورة التي اشترى النظام المباد اقلامها وذممها وضمائرها بكابونات النفط وصفقات النفط مقابل الغذاء.

ففور توقيعه معاهدة الجزائر عام 1975 مع شاه ايران بمباركة الرئيس الجزائري الاسبق هواري بومدين صفق لها الاعلام العراقي واعتباره بطلاً لنزع فتيل الازمات وحل المشاكل العالقة مع الجارة ايران. وعاد عام 1980 ليمزق هذه المعاهدة امام وسائل الاعلام معتبراً انه وقعها تحت الضغط والمؤامرة وتنازل من خلالها على نصف شط العرب ليجد حشوداً من المصفقين حوله ليقف صدام المقبور امام نشوة الصخب الاعلامي والاناشيد الثورية ليعلن حرباً شاملة على الجارة المسلمة ايران لحماية البوابة الشرقية التي تصدع جدارها نتيجة البركان المزلزل الذي احدثته الثورة الاسلامية عام 1979 على حد زعمه.

وبعد ثمانية سنوات من الحرب الطاحنة التي استنزفت القدرات البشرية والتسليحية للبلدين يقف صدام مرة اخرى ليعلن موافقته على معاهدة الجزائر من جديد مشدداً بانه تعرض الى تحريكات خارجية ( مؤامرة) لشن الحرب على ايران فوقفت نفس الحشود المصفقة لتمجد بالقائد الضرورة وبطل التحرير القومي.

صدام المقبور لم يراجع اخطاءه القاتلة ولم يتراجع عن مواقفه السابقة وسط صخب التصفيق الاعلامي الحاشد ليغريه هذا الهوس لارتكاب اكبر حماقة في عمره وربما هي القشة التي قصمت ظهره فاعلن ضم دولة الكويت كمحافظة تاسعة عشر وعودة (الفرع) الى الاصل فحاول محو دولة عربية وقفت معه طيلة سنوات حربه ضد ايران.اوهام المؤامرة هي التي شجعت صدام المقبور على ارتكاب هذه الاخطاء القاتلة ولم يجد برلمانا ناصحاً او مستشاراً صادقاً على محاسبته او مسائلته بل وجد الجميع مداحين ومصفقين لا يجرأون على تشخيص الخلل سوى مؤامرة العدو الخارجي لافراغ الترسانة العراقية من الاسلحة التي حصل عليها صدام اثناء حربه مع ايران عبر الايحاء لصدام بغزو الكويت باعتبار ان ذلك شأن عربي داخلي كما اوهمت السفيرة الامريكية في بغداد صدام المقبور على حد قول وتحليل المولعين بنظرية المؤامرة. ثم حتى الحرب الاخيرة التي أودت برأس نظام صدام كان تضع في خانة المؤامرة ومحاولات واشنطن للقضاء على السلاح العراقي والسيطرة على آبار النفط.

بعد كل هذه الاخطاء والحماقات التي ارتكبها صدام المقبور لم يلق اية محاسبة داخلية او اممية واذعن استهتاراً بالمماطلة وتسويف قرارات المجتمع الدولي المفروضة على العراق مطمئناً من اية عقوبات دولية تطالها بشكل شخصي الامر الذي شجعه على التمادي والغطرسة والطغيان. لم يشعر صدام المقبور بالحقيقة او القدر المحتوم الا في لحظات وجد حبال المشنقة يتدلى على رقبته فأيقن حينها بانه يعيش اوهام البقاء والمؤامرة. وحسب ما اخبرني رئيس محكمة التمييز العليا بان حتى في اللحظات الاخيرة من تنفيذ حكم الاعدام كان صدام المقبور يعتقد ان ثمة صفقة عربية او دولية لاخراجه من العراق وانقاذه من حكم الاعدام.

 وفي العراق الجديد تعاظم الاعتقاد بنظرية المؤامرة بل بواقعية المؤامرة ولسنا بهذا القدر من الغباء حتى نتصور بان العراق بمنأى عن المؤامرات الاقليمية والمحلية والدولية وهو يؤسس اول نظام ديمقراطي عربي في المنطقة.المؤامرات الداخلية والخارجية كانت منذ اللحظة الاولى للتغيير عام 2003 وتداخل المصالح وتشابكها وعقد التحالفات العربية مع القاعدة والصداميين قضية لا تحتاج الى المزيد من الادلة والبراهين.

المؤامرات لاسقاط التجربة الديمقراطية في العراق والعملية السياسية قضية حقيقية تجسدت عبر الدعم اللامحدود للقوى الارهابية عربياً واقليمياً وتحشيد امكانات عربية هائلة بالمال والرجال لارباك الوضع العراقي ومنع تصدير النموذج العراقي للبلدان التي تعاني من ازمة حكم وديمقراطية. التفخيخ اليومي والاستهداف المستمر للابرياء في العراق واعترافات الارهابيين بالدعم المخابراتي العربي دليل واضح وصارخ على المؤامرة ضد العراق وشعبه.تسليمنا القطعي بوجود مؤامرات اقليمية وعربية وتحول العراق الى ساحة لتصفية الحسابات السياسية الدولية من جهة ومحطة لاستقطاب واجتذاب الارهاب العالمي الى العراق وابعاد امريكا واروبا والدول العربية من اشباح الارهاب هذا التسليم القطعي لا يبرر الاخفاقات الحاصلة في الامن والخدمات.

ولا يكفي ان نتعكز على عصا الارهاب ونبرر كل ما يحصل من اخطاء في ادارة الحكومة والدولة على الارهاب.ومهما بلغت وحشية وبشاعة الارهاب وقدراته في شل الحركة الخدمية والامنية وتوزيع الموت في الشارع العراقي بشكل خطير فان ذلك لا يعفينا من محاسبة الحكومة على ما يحصل من تقصير أوقصور.ولا يمكن ان نعلق كل ازماتنا واخفاقاتنا على شماعة المؤامرة وان ذلك يزيدنا عجزاً وتقاعساً وغروراً فارغاً لايهامنا باننا مستهدفون من المؤامرة الخارجية لكننا نتساقط امام انظار شعبنا الذي منحنا كل هذه الثقة العالية والتضحيات الكبيرة.قد يكون من الصحيح ان الارهاب نجح في شل حركتنا العمرانية في بعض المناطق الساخنة وقد يكون من الصحيح ايضاً ان ارباك الوضع الامني اثر كثيراً على الخدمات والعمران ولكن ليس من الصحيح مطلقاً بان نتعذر بالارهاب في المناطق الامنة نسبياً كالمناطق الجنوبية من العراق وكذلك ان بعض القضايا على مستوى الخدمات والامن لا علاقة لها بشكل مباشر بالارهاب كتراكم النفايات والمستنقعات وضعف الخدمات في اغلب مناطق العراق.وهذا التحجج الرسمي بالارهاب وتبرير الاخفاقات الامنية والخدمية والعمرانية يستبطن اعترافاً بنجاح الارهاب في ارباكنا وتشجيعاً له على المضي والايغال اكثر في ايذائنا وتدميرنا.

ليس امام الحكومة الا الاعتراف بشجاعة بالاخفاقات وفشلها في تحقيق البرامج والاوليات وليس يجدر بها التبرير بنفس نغمة النظام القديمة والتمسك بعقدة المؤامرة وتسويق الازمات الى الخارج حتى كأننا معصومون ومنزهون لم نخطأ او نتحايل وما اخبار الفساد الاداري والمالي الا اشاعات بثها اعداؤنا لتشويه سمعة الحكومة (المنتخبة) كما يتوهم المولعون بنظرية المؤامرة.

كريم النوري رئيس تحرير صحيفة بدر

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ماجد العبيدي
2007-07-02
اثني على ما طرحه الاستاذ النوري واود ان اسلط الضوء على احد اهم الامور تاثيرا على مستوى اداء الحكومة الحالية والذي يعتبر من اهم التبعات الثقيلة لحكم صدام المقبور الا وهو الفساد الاداري في عموم الوزارات الحالية . ان خطورة هذة الافة تكمن في ان الكثير ممن يمارسونها محسوبين على تيارات سياسية ذات تاريخ مليئ بالتضحيات والشهداء، لذلك فانا اعتبر الفساد الاداري من اخطر الامور الداعمة للارهاب وبالتالي فانة يعتبر مؤامرة على العراق من الداخل تضاف الى المؤامرات الخارجية . يامسكين يا عراق
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك