احمد شرار
بهامته المرتفعة المكللة بالسواد، واعوامه الستين وبشاربيه الداكنين المشذبين بصورة دقيقة، أنعم سبحانه تعالى بهيبة وطول وجسم متناسق لصاحبنا هذا، حتى يخال من يراه للوهلة الأولى، أنه يشاهد أحد ضباط الأجهزة الأمنية المنحلة سيئة الصيت.
لا أعرف كيف ومتى، أصبح موظفا بمنصب مهم، يدير أحد أقسام منظمات المجتمع المدني الدولية المهمة، ولا لمؤهلاته لشغل مثل هذ المنصب.
شاءت الصدفة أن أعمل معه، لفترة من الزمن، كمراقب للأعمال التي يتم أنجازها في ذلك القسم، وبحكم العمل مع هذا الرجل، ولفترة طويلة تكونت فكرة عنه، من خلال حديثه عن تأريخه المجيد وبطولاته كلما صادفا موقف ما.
فهو كما سرني، أحد ضباط العمليات الخاصة، الذين لم يدرج أسمه بقوائم الأجهزة الأمنية، لشخصه الخطير، وتارة هو مستشار طيران عسكري، نسق الكثير من العمليات في مختلف دول العالم، التي أشرفت الأمم المتحدة على ضبط أمنها، وتارة أخرى يتخذ من شخصية الدكتور أو الأستاذ المحاضر القدير، في السياسة والديمقراطية والاقتصاد، بل قد يدفعه خياله الواسع، أن يكون مستشارا ومرافقا، لشخصيات من غير الممكن أن يكون قد عاصرها، بأي شكل من الاشكال ك (رومل، ثعلب الصحراء) أو (لورنس العرب).
لم يكن يبتسم قط حين كان يروي تلك الحوادث أو البطولات، وقد ترتسم على وجهه الجدية بشكل حاد، حين تسأله عن حادث رواه بنفسه، غير معقول، فينكره جملة وتفصيلا في وقت لاحق.
مهمتي الرسمية معه، كانت تقتصر على تقييم عمل ذلك القسم وليس شخصه، فكان هذا التقييم هو السبب الرئيس في حضور لجنة على عجالة، للاطلاع على المجريات من على أرض الواقع.
رافقته لحضور جلسة الاستماع التي عقدتها تلك اللجنة. وكنا أخر الواصلين، بدا على صديقي هذا التأثر، بالرغم من مبالغته في التأنق، ببدلته السوداء ورباطه وعطره الفواح، حيي الجالسين بعد أن جلس أمام اللجنة بكلمة (هلو) تبعها بهمهمات لم أفقه منها شيئا، أذ أن من المفروض أجادته ل اللغة الإنكليزية بشكل ممتاز.
أرتدى نظارته الطبية ب أطارها الذهبي، وهو يطالع تلك التقارير، وهو يجيب ب نعم باللغة الإنكليزية مكررا اياها مرارا وبطرق مختلفة، وقد عقد حاجبيه.
أصاب الجميع الحرج، أذ أن صديقي هذا، لا يبدوا عليه أنه فهم من تلك الأسئلة أو الأوراق شيئا، كان السؤال الأخير الذي وجهته عضوة تلك اللجنة، هي القشة التي قصمت ظهر البعير، حين سألته: هل تدرك أنك لا تفقه شيئا مما نقول؟
أجابها: نعم (يس)، أبتسم الجميع، ووقفوا ايذاننا بانتهاء اللقاء.
خرجنا، فنظر الي مبتسما مزهوا بشاربيه، أرأيت كيف كنت أتكلم اللغة الإنكليزية، لم تستطع تلك المرأة من أخفاه مشاعرها وأعجابها بي، حين نظرت الى شاربي.
غادرت اللجنة، وتم طرد هذا المدعى، شر طرده.
شاءت الصدف مرة أخرى، أن أقف وجها لوجه، مع ذلك الشخص نفسه وهو يترجل من سيارة فاخرة جديدة واضعا نظارة شمسية سوداء على عينيه.
بادرته بالسلام والسؤال عن أحواله، تظاهر بعدم معرفته لي، لكنه أبتسم حين ذكرت منصبه كمدير في تلك المنظمة، قائلا: لم أكن أنا أنه موظف بسيط يعمل لدي، استخدمته كبديل عني ولكي أحمي نفسي من محاولات الاغتيال التي خططت لها أجهزة الاستخبارات المعادية.
: ما زلت تحتفظ بشارب جميل قل مثيله.
: أتذكر تلك المرأة من اللجنة، وقعت في غرامي من النظرة الأولى، حين رأت شاربي.
ودعته مشمئزا من كذبه، ولسان حالي يقول، لا يختلف صديقي هذا عن تصرفات قادتنا، يكذب ويصدق كذبه، ويعتقد أن الاخرين يصدقوه.
خراب حل بوطني، بسبب سياستهم الرعناء، أمنيا، اقتصاديا، على كافة المستويات ومن أجل مصالحهم الشخصية، حتى ضربوا بالوطن ومواطنيه في عرض الحائط، فأراه ممزقا مدمرا.
أن الأوان للتغير، هذا ما نجنيه اليوم وغد أن بقي الوضع على ما هو عليه، طالبت المرجعية بالتغير، ونحن بأمس الحاجة اليه، والسؤال هو من سيغير؟ ولمن سيذهب صوتي؟
فرغت الساحة أمام ناظري سوى من شخصين كريمين، السيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم، يشتركان في تاريخ نضالي مشرف ناصع البياض، كانا ومازالا صوت الحق والمظلوم، يكفيني هذا من أجل غد وطني ومستقبل أبنائي.
لكن صوتي لا يكفي دون أصواتكم، ضموا أصواتكم وتوجهوا الى صناديق الاقتراع، فأنتم أبناء مذهب واحد ومرجعية واحدة هو العراق.
https://telegram.me/buratha