المهندس لطيف عبد سالم العكيلي
تركن احلامهن تتدثر بسباتها في أزقة المدن البعيدة وجدران منازلها العتيقة، من كن مكرمات في بلدهن، بعد أن صيرهن العنف مشردات يعشن مع ما تبقى من أسرهن أوضاعا معيشية صعبة في مخيمات ومراكز إيواء أعدت على عجالة بالاستناد إلى ما متاح من الإمكانيات، فأصبحن مفجوعات لا يمتلكن غير صدى السنين الحاكي بعيدا عن وطن يحاصر الموت أهله من كل جانب، جراء شدة التوترات والتقلبات المصاحبة للأعمال العسكرية التي تعيشها سوريا منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام تحت خيمة التغيير التي تعد امتدادا لموجة أحداث ما يعرف بـاسم ( الربيع العربي ) الذي أفضى إلى القضاء على عشرات الآلاف من الأهالي، وجرح وإعاقة أعداد أخرى من السكان، فضلا عن كارثة سوريا الحقيقية المتمثلة بتشريد طيف واسع من شعبها، ودمار أغلب مدنها وانهيار بناها التحتية. وهو الأمر الذي فرض على كثير من القوارير السورية الجنوح صوب امتهان التسول في أغلب عواصم البلدان العربية وأبعد مدنها.
ولا أخطئ القول أن بعض البلدان العربية التي تتبجح باعتماد الإسلام مصدرا رئيسا لتشريع دساتيرها، وتحكمها تعاليم سماوية وأعراف اجتماعية وقوانين وضعية، تناسى بعض ولاة أمورها وأهليها غيرة العربي وتقوى المسلم المؤمن، فارتضوا لأنفسهم أن تكون أسيرة شهوات مريضة حيال اللاجئات السوريات اللائي يواجهن مشكلات ضعف الأمن وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية، عوضا عن استضافتهن في أوطانهم التي قد تكون عرضة في القادم من الأيام لأحداث جسام، ربما تفوق بقسوتها وتداعياتها المحنة الوطنية التي سيق إليها الشعب السوري.
إن ما أعلنته منظمة (هيومن رايتس ووتش) الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في شهر أيلول من العام الماضي 2013 م، من أن اللاجئات السوريات في لبنان يتعرضن للتحرش الجنسي والاستغلال من قبل أصحاب العمل ومُلاك المساكن وموزعي المساعدات من الجمعيات ذات الطابع الديني، إلى جانب امتناعهن إبلاغ السلطات المحلية عن هذه الوقائع؛ بالنظر للخشية من الانتقام منهن من قبل الجناة أو اتخذ السلطات إجراءات القبض عليهن بتهمة عدم امتلاكهن أوراق تراخيص إقامة قانونية، يعيدنا إلى ما بعض ما اختزنته الذاكرة العربية المتعبة بهموم الجهل والاستلاب والإذلال والتخلف من وقائع مأساة ( المسلمات البوسنيات )، اللائي وفدن إلى القاهرة مضطهدات ومشردات هربا من جحيم أساليب العصور الوسطى الدموية المتمثلة ببطش حرب إبادة الإرهاب الصربي الذي أعاد بقسوة جرائمه مجتمع ثورة المعلوماتية إلى ظلام أزمنة غابرة في أعقاب حرب الإبادة التي شنها الصرب على مسلمي البوسنة وأفضت همجيتها إلى استشهاد ( 300 ) ألف مسلم، فضلا عن اغتصاب أكثر من ( 60 ) ألف امرأة وطفلة، إلى جانب التهجير العرقي لمليون ونصف مواطن مسلم على خلفية انهيار دولة يوغسلافيا السابقة، ليجدن أنفسهن غير آمنات بجوار ( الأزهر الشريف ) في سوق نخاسة النزوح الإجباري والحاجة المرة لسقف يأوي قوارير زائغات البصر من هول مأساة بلدهن التي لم يحرك المجتمع الدولي حيالها ساكنا، فضلا عن ضعف آليات المنظمة الأممية في مواجهة واقع مرير أضاف أعباء ثقيلة على جسامة معاناتهن، حيث هرع كثير من مدعي الحرص على بيضة الإسلام الذين يتبجحون بكونهم أصحاب شهامة ومروءة؛ لاقتناص الجميلات البوسنيات ( الاخوات في الدين الأرامل منهن أو العذارى ) اللائي يفترشن ما متاح من الفضاءات المتاخمة لجامع الأزهر الذي أنشئ في عام 970 م، ويعد الآن من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي، ثم ما لبث أن تخلوا عن معظمهن بعد أن أطفئوا نيران شهواتهم وهم يرقصون على جراح نساء منكوبات في مهمة أقل ما يشار إليها بالمهينة.
ومن جملة مظاهر النكوص العربي في الألفية الثالثة التي كشفتها ظاهرة اللاجئات السوريات هو استغلال رجال دين متقدمين في السن ظروف اللاجئات السوريات المعيشية وزواجهم من قاصرات دون سن الخامسة عشرة تحت ذريعة ستر الأخوات في الدين الذي فرض على بعضهم تطليق زوجته السابقة!!!. والصورة الأخرى التي لا تقل بشاعة عن سابقتها تتمحور حول قدوم رجال أردنيين إلى أماكن ايواء اللاجئات السوريات بحثا عن عرائس صغيرات السن وهم مقتنعين برؤى تتيح لهم التعامل معهن بكبرياء، بوصفهن نساء يتمتعن بمنزلة اجتماعية أدنى؛ لأسباب قاهرة تتعلق بتداعيات محنة اللجوء التي فرضت قسرا على قوارير سوريا!!!، إضافة إلى أن الزيجات المترتبة على مجمل هذه التصورات الوضيعة، التي ربما يكون بعضها مؤقتاً، من شأنها تعريض نساء مسلوبات الإرادة يبحثن وسط المجهول عن لقمة عيش إلى خطر الاستغلال بمختلف مفاهيمه، إلى جانب زيادة مساحة تعرضهن للأذى في ظل الافتقار إلى ما يكفي من أدوات التوثيق، فضلا عن اختلال الأمان المالي؛ بالنظر لمحدودية خيارات موارد الدخل وقلة أماكن
https://telegram.me/buratha