ماذا يعني عندما تغلق جميع أبواب الدولة أمام المواطن، وهو يدور في حلقة مفرغة من المطالبات، بحقوق المواطنة المنصوص عليها دستوريا: التعليم، الصحة، الخدمات، الأمن، الغذاء، السكن؟..
ماذا يعني أيضا عندما يتعرض المواطن، الى إبتزاز الموظفين الحكوميين، في دوائر الضريبة والعقار، والكمارك، وكل مؤسسة تتعامل مع المواطن بالشؤون المالية؟!
وماذا يعني عندما تتحول إستحقاقات مثل: إصدار وثائق الجنسية، وهوية الأحوال المدنية، وبطاقة السكن، وسنوية السيارة الشخصية، وترقيمها، والبطاقة التموينية، والشهادة المدرسية، ووثائق التخرج الجامعية، وأي كتاب رسمي يحتاجه المواطن، الى "منة" يمن بها الموظف الحكومي عليه؟!
أي طلب لمواطن موجه الى أي دائرة رسمية، لا نجد نصه معنون الى الدائرة ذاتها، بل الى مسؤولها الأعلى..وعندكم صيغ العرائض والطلبات التي يوجهها المواطنين الى مؤسسات الدولة، والتي تبدأ عادة بعبارات مثل: السيد معالي وزير الوزارة الفلانية المحترم/ المعروض أمام سيادتكم..ويبدأ بعدها بالإستعطاف والتذلل الى أن ينهيها بعبارة : ولكم الأمر سيدي العادل!
أليست هذه بقية من بقايا ثقافة القرون الوسطى؟!
ألا يعني ذلك وبالقلم العريض، أن الدولة قد صادرت حقوق المواطن، وأستحوذت على إستحقاقات المواطنة الأساسية، وحولتها الى ملك شخصي لها ولموظفيها، يتعاملون به أما بمشيئة لمزاجهم، أو وفقا لمنافعهم؟!..وأن فهما متخلفا للوظيفة الحكومية وواجباتها، هو السائد لدى مؤسسات الدولة..
في هذا الصدد، ثمة من سيرد قائلا: أن الدولة كعنوان سيادي؛ لا تتحمل تبعات أخطاء جهازها الأداري، أو ممارساته اللا مشروعة، وأنها تصرفات أفراد وليست منهج دولة..والرد على مثل هذا الرد، سيكون من صلبه، ومن صلب تعريف الدولة ذاتها، فالدولة ليست جسم هلامي إعتباري فحسب، بل هي هذا الجهاز الأداري الطويل العريض، من الأفراد الذي تتشكل منه..
النتيجة أن معاملة الدولة للمواطن، تتسم دوما بالإذلال والإحتقار والشروط التعجيزية، ناهيك عن أن المواطن بعرف الدولة، متهم دائما، وأن ما يطالب به موضع شكوك، تستوجب التحقق من مصداقيتها، مع أن المواطن لم يطالب إلا بأبسط حقوقه، التي كان من الأولى ؛أن تقدمها له المؤسسات الخدمية والوزارات والمحافظات، دون أي تعقيد أو تأخير أو إبطاء..
ويكشف هذا الواقع الذي بات مسلمة، أن مسؤولي الدولة من الوزراء الى أقل موظف درجة ،منشغلون ليس بخدمة المواطن، بل بترسيخ وضعهم الفوقي الإستحواذي فحسب، وهم معذورين بهذا الإنشغال، لأنهم لم يتثقفوا على سواه أو نقيضه، فبات ما يفعلون هو الأصل!
كلام قبل السلام: "وزير" اشتقت من كلمة وِزر، وهي تعني الحمل الثقيل، والظهر الذي يستند عليه الحاكم، لتلبيه احتياجات المواطنين, وهي ما تعني باللاتينية "الخادم"!
سلام...
https://telegram.me/buratha