القاضي منير حداد
شاهدت فيلما اجنبيا، خلال طفولتي الغضة، ما زال عالقا في ذاكرتي، من حينها؛ لأن "العلم في الصغر كالنقش على الحجر" يحضرني كلما لامست وعيي قرينة، تحفز الذكرى.
عندما كبرت، عرفت انه يصنف نقديا، ضمن مدرسة "الواقعية السحرية" التي ولدت من روائيي أمريكا اللاتينية، خلال الستينيات، وانتشرت في العالم، مطلع الثمانينيات؛ نتيجة لفوز غابريل غارسيا ماركيز، بجائزة نوبل؛ عن روايته "مائة عام من العزلة" ثم شاعت، كالنار في هشيم الانواع الفنية المتنوعة.
تتلخص قصة الفيلم برجل وجد نخبة من علّية القوم، يجتمعون في قصر منيف، يشمخ فوق قمة جبل شاهق، ومظاهر الرفاه، ابلغ من جواهره.. ترفا.
سألهم: "من انتم وماذا تعملون؟" قالوا: " نحن اعيان البلد، نتدارس شؤون الشعب؛ لنسعده" ولما نزل للشعب القاطن اسفل الوادي تحت مصب سيول سفح الجبل وتهادي صخوره صيفا، وجده يتضور جوعا ومرضا...
مزرعة البصل
هذا ما أجده في تصنيف المرشحين، من خلال استقراء الشعرات التي اكتظت بها الشوارع صباح الثلاثاء 1 نيسان 2014، كما لو ان انفجار شعارات ألهب الحياة من حولنا فجأة. بعض الشعارات تدل على رغبة شديدة بمعالجة مشاكل الشعب المستعصية، واخرى تريد معالجة مجلس النواب نفسه، لأنه أسس على هوى النفس الأمارة بالسوء، الا ما... من دون رحمة!
مغريات عضوية المجلس الموقر، لا تقاومها مبادئ ولا مثل ولا فلسفات ولا تقاليد، لكنها.. من خلال ما تفصح عنه الدعايات.. تشمل مشاكل الشعب ومعضلات النواب والتداخلات الفئوية: "قومي رؤوس كلهم.. أرأيت مزرعة البصل" والفساد الذي انتاب مفاصل السياسة كافة، وفي مقدمتها النواب الذين انخرطوا رهطا في صف المفسدين، يعبون ما يشتهون، من دون ان ترتوي شهوتا المال والنساء لديهم.
الوصل بليلى
لافتات تزحم الارصفة.. تلوث البصر والبصيرة، بطروحات تستغل القيم والمعاني كلها، لإستغفال الشعب، والهيمنة عليه.. عقليا وعاطفيا، وحتى لو لم يخضع لـ "التقفيص" فهم فائزون وإن لم ينتخبهم، والخاسرون.. خاسرون وإن حصدوا ثلاثين مليون صوتا.. ثمة ارادة تفوق الشعب، تقرر له ما ينبغي، سواء أعرف مصلحته ام لم يعرفها "تريد صخل اخذ صخل.. تريد غزال أخذ صخل".
النواب اصناف.. قلة خدوم، وكثرة طامعة بالراتب الفلكي والتقاعد الاهوج وفلوس لاتعد ولاتحصى، ومجموعة تحرس مصالحها الفئوية، على هامش مصالحها الشخصية.
انهم.. كلهم يدعون وصلا بليلى، من أجل الناس والمجتمع واطعام الجياع واغاثة الملهوفين، في حين هم الذين يسرقون قرص الشمس؛ لأنه يشبه خبزة مطلقة، ما زالوا يتشهونها، ويبعثون الذعر بين الناس تصفية لحساباتهم السياسية.
ينعمون برفاه خرافي، ويتحدثون عن السعي لإسعاد شعب يهملونه طيلة السنوات النيابية الاربع، نهبا للعوز والمفخخات و...
https://telegram.me/buratha