احمد نعيم الطائي
الحديث عن الواقع الصحي في العراق ذو شؤون وشجون كونه واقع مرير ومؤلم لم ولن يرتقي يوماً الى ابسط المؤسسات الصحية في دول تعتبر بالنسبة لامكانيات العراق دول فقيرة او اقل غنى لذلك اصبح مسؤولي الدولة وعوائلهم يتسابقون للسفر اليها لغرض العلاج او حتى لاجراء الفحوصات اما مستشفياتنا الحكومية البائسة فهي مخصصة للعراقيين ذي الدخل المحدود واصبح هناك طب للاغنياء وطب للفقراء كما هي الادوية ومستوى الخدمات الطبية التي تتوقف على الدفع المسبق بحسب الامكانية المادية، لذلك يشعر العراقي عند مراجعته لاي مؤسسة صحية بمصادرة كرامته وانتهاك ابسط حقوقه الانسانية في بلد غني متخم بالثروات.
لو استعرضنا الكشوفات الخاصة بالمبالغ الضخمة التي صرفت وتصرف الان على مؤسساتنا الصحية او المساعدات الدولية التي منحت لاعادة تأهيلها ،نشعر بالالم والاحباط لانه يمكن لجزء من هذه المبالغ ان تبني لنا افضل المنتجعات الصحية في العالم ، وحتى لو افترضنا في الخيال انه سيتم تشييد مستشفيات وفق معايير منظمة الصحة العالمية، فإن قسم كبير من كوادرنا الطبية لاترتقي الى مستوى التعامل الانساني مع المريض الذي لايتمكن من تأمين المال لمراجعة العيادات والمختبرات الخاصة وشراء الادوية من تجار الدواء الذين لايرحمون ، والامر ينسحب على الكوادر الخدمية التي تفتقر الى ابسط مقومات العناية بالنظافة فهي كوادر تحتاج الى هي تنظيف كما انها لا تجيد سوى الاستجداء من المرضى او ابتزازهم كما يعكسه واقعنا الصحي المتردي .
ان معظم الكوادر الصحية لا تتعامل مع المرضى بطريقة انسانية لذلك تتحمل وزر الكثير من حالات الوفاة او الاعاقة التي تحدث بمستشفياتنا ، كما ان معظم الاطباء الاختصاصين لايتعاملون ولو بجزء بسيط من الانسانية مع مرضى المستشفيات الحكومية ولا يكلفون انفسهم بفحص المريض او معاينته بشكل يشعره بالاطمئنان، كما يفعلون في عيادتهم او في المستشفيات الخاصة التي يعملون لصالحها حين ينهضون لاستقبال المريض ويفرشون الابتسامات العريضة له لكي ينتفون "جيبه وجيب" من معه بالتعاون والتنسيق مع المختبرات والصيدليات وهي دورة من الابتزاز في ظل غياب تام للرقابة والضمير.
سبل الارتقاء بالخدمات الصحية يتوقف على وضع قوانين وضوابط جديدة تحدد فيها تقديم الخدمات الطبية وفق مقاسات انسانية مشددة تشمل الجميع دون استثناءات بحث نتجاوز ظاهرة خدمات العام والخاص وهذا دواء للاغنياء وهذا للفقراء وبحسب المنشأ والتسعيرة ومستوى فعاليته ، كما يجب تغليظ الرقابة والمحاسبة القانونية بحق الذين يرتكبون اخطاء طبية تؤدي الى الوفاة او الضرر الجسدي او النفسي للمريض ، وضمان تطبيق عدة ضوابط ادارية منها تواجد الاطباء الاختصاصيين بعد الدوام الرسمي في الردهات لاسيما الطوارئ لملازمة الاطباء المقيمين او المقيم الاقدم الذي لا يبارح مسكن او بهو الاطباء الا بواسطة او الخوف من مسميات المنسوبيات في الدولة ، والحد من ظاهرة تسرب الادوية والمواد المختبرية الى الصيدليات والمختبرات الاهلية سيما القريبة من المستشفيات، واهمية استقدام كوادر صحية وخدمية اجنبية عسى ان تتعلم منها كوادرنا اسلوب العناية الانسانية بالمريض والاهتمام بالنظافة , وانهاء ظاهرة فرض " الخاوات " على المراجعين من قبل موظفي الاستعلامات وحراسها المنسوبين للداخلية.
ان مشكلة واقعنا الصحي وبقية قطاعات الدولة هي الافتقار الى ستراتيجيات تنموية علمية مدروسة بعيدة المدى لمجمل مشاريعنا لاسيما الصحية منها، كما تفتقر مشاريعنا الى التنسيق المتبادل بين الوزارت المعنية لاسيما وزارة التخطيط والتعاون الانمائي التي تعطي البيانات والمعلومات والاستشارات العلمية الدقيقية للمشاريع ، وهذه الفوضى العمرانية هي هدر متواصل للمال العام تنتفع منه مافيات الفساد العراقية ، لاسيما في المشاريع الترقيع المتكررة.
اخيراً اود تذكير وزير الصحة كيف كان الخالد عبد الكريم قاسم يتهجدُ ليلاً بتفقده مرضى المستشفيات لاسيما مستشفيات الاطفال ويجبر الاطباء الاختصاصين على التواجد المتناوب للاشرف على المرضى ، فخلد الله ذكره بالعرفان وجعله مثالاً للوطنية الحقة ، بالوقت الذي لن نسمع يوما ان وزير الصحة او مسؤول رفيع له السلطة بالمتابعة تفقد مستشفى حكومي ليقف على مستوى الخدمات المقدمة والتي تعتبر شبه غائبة بسبب نقص الادوية وعدم الاهتمام ، وامام هذه المرارات تبقى اكثر المرارات وجعاً معاناة الاطفال المرضى وكثرة حالات الوفاة بينهم ، رحم الله من رحم الرعية ولعنة الله على الفاسدين والمتخاذلين والمقصرين في خدمة الشعب.
https://telegram.me/buratha