المقالات

الحكومة العراقية بين كيد الأعداء وضعف الأداء ...

1568 20:00:00 2007-07-23

بقلم :حسن علي _غزة

عدو واحد خارج البيت وألف عدو داخل البيت ... لقد برهنت التجربة على أنه لم يعد في الوسع تأجيل النظر إلى الجبهة الداخلية , لأن الحكومة العراقية إذا كانت في حالة مواجهة مستمرة مع القوة المعادية خارج البيت والتي تصدر الإرهاب والقتل إلى مدن العراق , فان التجاوزات والسلبيات داخل البيت – وما أكثرها – تفرض علينا أن نلتفت لها .. وذلك لأن الدفاع عن قضية العراق العادلة , والمصير الديمقراطي المهدد لن يكون دفاعاً مجدياً إلا إذا قام على أسس داخلية نظيفة سليمة , خالية من الاختراقات ... المرحلة التي تعيشها الحكومة الآن هي جولة من جولات معركة العدل والحق في مواجهة الباطل والظلم ... وهي جولة دقيقة تحتاج إلى البصيرة النافذة بقدر احتياجها إلى العزيمة والشجاعة ... قيل : من يعمل لابد أن يخطئ وأما من لا يعمل فبديهي أنه لا يخطئ .. لكن يجب ألا ننسى أن هناك فرقاً واضحاً بين الخطأ وبين الترهل وقلة الخبرة والفساد والاستعلاء على الناس واستباحة المال العام والدم الخاص , وتأسيس عشائريات مبتكرة وتوزيع الوظائف والقيادة على أساس " لولا عيب في ولاء المنتقدين ولولا عداوة في أوساط الأجنبي , ما أطلق هؤلاء وأولئك لسلاحهم وألسنتهم العنان " .

الثواب والعقاب قانون سماوي ...

لست بحاجة إلى التفلسف والتنظير للقول : إن مبدأ الثواب والعقاب هو ضمان سماوي كي يأتي سلوك المسئول متطابقاً مع التشريع , لذا كان ينبغي منذ البداية أن يتبنى العراقيون منهجاً في الحكم لا يتردد في إيقاع العقاب المناسب بكل من أساء إلى مشروعهم الناشئ تحت أي مسمى كان ... هذا المشروع الذي هو سفينة النجاة للعراقيين في هذا الزمن الرديء , ولكن المصيبة أن بعض المجرمين والفاسدين قد سكنوا في البرلمان الذي من أهم مهامه حماية وضمان حقوق الشعب من المجرمين الفاسدين , و كما قال السيد المسيح عليه السلام " وإذا فسد الملح فبماذا يملح ؟؟ "... أرى أنه لم يعد معقولاً أن تجري متابعة شئون الحكومة بالكيفية الجارية حالياً .. هناك تراكم غير معقول لعدد من المشكلات الخاصة بالمواطن العراقي والتي تعرفونها أنتم العراقيين أكثر مني .. انقطاع الكهرباء .. قلة الخدمات .. انتشار المرض .. وشاهدت أمس في التلفزيون أن أبناء دجلة والفرات لا يجدون ماءً صالحاً للشرب ؟؟ ناهيك عن المشاكل الأمنية المعقدة .. إن حالات التبلد والترهل والتسويف وتنازع الاختصاصات في الجهاز الحكومي وعند بعض المسئولين يثير سخط المواطنين ويعطل مصالحهم , وجنوح بعض المسئولين في الدولة لفهم مناصبهم المدنية والأمنية في الإدارات التي يرأسونها كما لو أنهم رؤساء دول وكيانات مستقلة كل ذلك يثير القلق , لأنه يعيد إلى الأذهان الظواهر التي رافقت عصور الظلم التي أدت إلى السقوط الحتمي للنظام البعثي ..جزء من أزمة التكوين للحكومة العراقية يرجع إلى أن المعارضة العراقية في الخارج أثناء حكم صدام لم تكرس لنفسها منهجية أخلاقية صارمة , وليس معنى هذا خلوها من نشرات توجيهية تثقيفية دينية , ولكن معناه أن هذا التوجيه انتهى عند العودة إلى العراق , ولم يتعزز بصرامة العقاب عند المخالفة , مع أني آمنت وما زلت أؤمن أن الحديد لا يفله إلا الحديد ... وزاد الطين بلة أن الحكومة اضطرت مرغمة إلى الانغماس في حرب أمنية داخلية يغذيها العرب والمحتل وذلك بالتأكيد يبعدها عن ملاحظة وملاحقة عناصر داخل جسم الدولة أو التغاضي عنها معروفة بإجرامها السابق واللاحق الذين كبرت مناصبهم و قدراتهم , والذين أدمنوا على الاختلاس والقتل المنظم وأصبحت لهم خبرة لا بأس بها في " كيف تؤكل الكتف " ؟؟

جماعة البعثيين ...

لم تضيع القلة الفاسدة من البعثيين وقتها ... وقد وجدت أمامها ما يشجعها وخاصة عندما لم تضرب الحكومات السابقة على أيديهم مبكراً , وعندما شاع أن الإبقاء عليهم يمثل شكلاً من أشكال تأسيس بنيان إداري حكومي شامل لجميع أطياف الشعب العراقي , وأحسب أن هذه الجماعة تسعى لتأسيس بنيان منظم ومتشعب , يوجهه الأمريكان بطريق غير مباشر ويرتبط مصيره ومصالحه بوجود الأمريكي , هذه الجماعة بدأت عملها متسترة وحذرة لكن بمرور الوقت ودون أن يلقى أي مجرم منها عقاباً رادعاً , جعلوا يتصرفون على راحتهم وبحماية الحصانة الممنوحة لهم ويمعنون في جرائمهم على اساسها , وما نية الأمريكان بدعم وتسليح عشائر السنة بحجة القضاء على القاعدة إلا استكمالاً للدور القذر الذي يلعبه الأمريكي في دعم هذه الجماعات .

بداية الإصلاح.. تشكيل وزارات الاختصاصين ..

ما ينبغي أن يفعله رئيس الحكومة من أجل الإصلاح هو إعادة صياغة حكومته من اختصاصيين بارزين ... الذين يفهمون ويمتلكون الخبرة في تخصصاتهم بقطع النظر عن مذهبهم وانتمائهم ... ما دام هؤلاء الوزراء مستعدين للتضحية , ويشعرون أن حصيلة عملهم سوف تصب في المصلحة الوطنية العراقية , ولا أظنني واهماً إذا تصورت أن هناك العديد من هذه الشخصيات العراقية الوطنية التي تلقى إجماعاً حولها ... ولا يخفى علينا ما يجره إسناد الوزارات إلى غير المتخصصين من تحمل الدولة والمواطنين لتلاميذ يتهجون أبجدية الاختصاص الذي يتربعون فوق مرجعيته ... ولا سيما حزب الأكثرية البرلمانية الذي يجب أن يستخلص العبرة مما حدث للحزب الحاكم في الاتحاد السوفيتي ..الذي أصابته تجربة السلطة بالسقم والتي ما لبثت أن قضت عليه وعلى سلطته ... وعلى ذلك يجب إجراء تقرير مسحي شامل يصف حالة كل وزارة بدءاً بالوزير وانتهاءً بأصغر موظف وبتقرير فني من قبل أخصائيين – ليسوا أمريكان – ويوفر هذا التقرير صورة شاملة رقمية ونوعية عن القوى البشرية والمهام والانجازات والأداء خلال فترة أداء الحكومة للوصول إلى إعادة هيكلة الوزارات على أساس علمي دقيق بما يحقق النجاعة والتسهيل , والاقتصاد في الوقت والجهد والذي يصب أخيراً في توفير أفضل الخدمات للمواطنين .. أما الموظفون الذين لا حاجة للهياكل الوزارية الجديدة بهم فلا يجوز حرمانهم من وظائفهم بل يجب إعادة تأهيلهم بإخضاعهم لدورات تدريبية مكثفة تمكنهم أخيراً من خدمة المواطنين بشكل احترافي مهني كما ينبغي أن يكون .

مقاومة الاحتلال ومقاومة الذباب ..

أشرت سابقاً إلى رؤيتي لإصلاح الوزارات على أساس التغيير الشامل , أي تفكيك الجهاز الوزاري كله وإعادة صياغته على أساس التخصص والكفاءة , ولا أعني بذلك تغيير الوزير فحسب , ومع أني أدرك أهمية الوزير في قيادة وزارته لكن ينبغي ألا نغفل دور الجسم الوزاري كله أي المستويات التي تخدم المواطنين يومياً فالوزير يتغير بينما باقي الموظفين ثابتون ..ولقد لاحظت رغم بعدي عن السياسة العراقية قليلاً , أن هناك بعض التيارات العراقية في داخل البيت الشيعي نفسه يتغنون دائما بمقاومة الاحتلال وهو موقف نبيل بلا شك , ويشاركون في الحكومة بوزراء هم والله عبء على الدولة والمواطن لقلة خبرتهم ... وأنكى من ذلك وأوجع للنفس أنهم يضمون بين صفوفهم بعض المتسللين الذين يقتلون رجال الشرطة في معارك أقل ما يقال فيها أنها ليس لها مبرر .. وهم يسيئون للبيت الشيعي أكثر مما يحسنون إليه , ويحضرني هنا مشهد لاحدى الشخصيات فقد كان ذات مرة على رأس تنظيم كبير , وقام بزيارة إلى منطقة ريفية اصطحبه خلالها محافظ المنطقة وموكب من رجال الشرطة فوقف الخطباء يخطبون عن الحرية والبطولة ومقاومة الإمبريالية والصهيونية , وكانت أسراب من الذباب تملأ المكان وتقع على الوجوه , فما كان منه إلا أن رد على الخطباء بقوله : نحن نود أن نعفيكم من مكافحة الاحتلال ونأمل منكم أن تركزوا جهودكم في هذه المرحلة على مكافحة الذباب .

أهم نواحي الإصلاح ...

ويمكن أن ألخص – دون ترتيب مقصود – أهم نواحي الإصلاح داخل الدولة العراقية فيما يلي :1- تغيير تشكيلة كل وزارة بالطريقة التي تحدثت عنها آنفا . 2- استقلال القضاء استقلالاً تاماً .3- البدء بحملة واسعة من النقد الذاتي .4- تقديم عناصر البعث ممن يثبت إجرامهم والمنتشرون داخل البرلمان وغيره إلى محاكمات عادلة دون تهاون أو تضييع للوقت .5- اشتراط عدم جمع الوزير أو المسئول في الدولة لأكثر من منصب.6- تسليح أجهزة الأمن العراقية بأحدث أنواع السلاح .7- محاسبة المسئولين عن الفساد الإداري , وتبديد الأموال , وحرمان المواطنين من كافة الخدمات ... محاسبتهم لإساءة الائتمان .8- تعزيز مبدأ الديمقراطية والشفافية والمحاسبة .9- ضبط القضايا المالية بأيادي امينة ونزيهة كل في منطقته او اقليمه وحسب النظام الذي سيتفق عليه .10- تفعيل قانون " من أين لك هذا " إن لم يكن مفعلاً . 11- تنظيم عمل الصحافة وإطلاق الحريات .12- تأسيس جسم حكومي تكنوقراطي بعيداً عن المذهبية وشاملاً بقدر المستطاع لأطياف الشعب العراقي .13- جدولة انسحاب قوات الاحتلال من العراق بعد ضمان تدريب وتسليح الجيش العراقي فأبناء العراق قادرون على حفظ أمن بلدهم .14- فتح باب الحوار مع الجماعات والتنظيمات المسلحة التي لم تقتل عراقياً واحداً .15- الإصلاح والمساءلة عمليتان متواصلتان وليستا إجراء موسمي .16- الاعتماد على الله أولاً ثم على الشعب العراقي البطل الذي يستحق أفضل من هذا الأداء الحكومي ... الاعتماد عليه في كل صغيرة وكبيرة فالشعب هو القوة الداعمة وهو السند الحقيقي للحكومة .. كإجراء استفتاء مثلاً حول جدولة الانسحاب , وغيره .بقي أن نقول : إن هناك استخلاصين منطقيين من هذا العرض :الأول : أن عملية الفساد والزعرنة والبلطجة في الدولة ليست فرداً واحداً ولكنها مؤسسات وعصابات تتبادل الصفقات , وهي منتشرة في أكثر من جهاز في الدولة وبعضها مراكز قوى ليست بالبسيطة .الثاني : أن هذه العصابات محمية من قبل المحتل وبالتالي لن يسلم هؤلاء بالإصلاح وسيعدونه معركة حياة أو موت وسيكونون خطرين للغاية , وسيحاولون تشويه الأبرياء وتزييف أي حركة إصلاحية يقوم بها رئيس الحكومة.

حسن علي – غزة

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك