المقالات

أسحار رمضانيّة ()

1145 20:51:49 2014-07-12

نزار حيدر

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
انها دعوة صريحة وواضحة للتعايش بين أبناء المجتمع الواحد، من خلال إيجاد المشتركات، للتعاون في المساحات التي يشتركون فيها، واحترام بعضهم البعض الاخر وعدم التجاوز او الاحتراب والاقتتال في القضايا التي يختلفون عليها.
لقد خلق الله تعالى عباده ليتعارفوا وليس ليتقاتلوا، وهو الذي خلق التنوع والاختلاف، فكيف يسعى البعض لإلغاء ذلك؟ الم يقل رب العزة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}؟. 
السؤال هو:
كيف يمكن تحقيق التعايش في المجتمع المتنوع والمتعدّد سواء دينياً او اثنيًا او فكرياً او حزبيا او سياسيا او قبليا او اي شكل آخر من أشكال التعُّدد والتنوع؟.
اعتقد ان هناك عدد من المقومات التي تحقق هذا التعايش، على الجميع خلقها وإيجادها على ارض الواقع اذا كانت غائبة في المجتمع، منها على سبيل المثال لا الحصر:
اولا: ان لا يحتكر احدٌ الحقيقة، فلكل منهم جزء منها، اما اذا ادعى احدٌ انه يمتلك الحقيقة المطلقة، عندها سيفرض نفسه على الآخرين ولو تطلّب ذلك استعمال السيف، كما يفعل اليوم الإرهابيون في العراق وفي غير العراق.
ولنا في رسول الله (ص) خير نموذج في ذلك، اذ يقول القرآن الكريم على لسانه {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.
ولقد ذم الله تعالى قوما من اليهود والنصارى اشترطوا على رسول الله (ص) إتّباعهم قبل ان يقبلوا التعايش معه فقال عزّ من قائل {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} وقوله تعالى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} وقوله تعالى {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} فكيف، اذن، نقبل لأنفسنا ما رفضه الله تعالى من غيرنا؟.
ثانيا: ان لا يتجاوز احدٌ على حقوق احد، وان من حقوق المواطن على أخيه المواطن هو ان يحترم رأيه ومعتقده ورموزه وطريقة عبادته لله تعالى وشعائره، فلا يعتدي عليه اذا رآه يختلف معه في طريقة العبادة مثلا، ولا يستهزيء برأيٍ اذا اختلف فيه معه ولا يعتدي عليه اذا لم يقتنع بما يقول، ولقد قال تعالى في ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
ان من حق المواطن على أخيه المواطن ان يمتلك حرية التعبير في إطار أخلاقيات الاختلاف، كما ان من حقه عليه ان يحترم كرامته ويصونها، فلقد خلق الله تعالى عباده وكرّمهم، فقال في محكم كتابه الكريم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} فكيف يجيز احد ان يسلب حقاً لمواطن هو من رب العزة؟.
ثالثا: ان يكون الحوار هو السلاح الوحيد الذي يوظّفه الجميع للاتفاق على شيء او للاختلاف على أشياء، فلا يوظّف احدٌ القوة والعنف والسلاح والقتل وحز الرؤوس وتفجير السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة كأدوات في الحوار، فان ذلك بمثابة حوار الدم وليس حوار العقل والمنطق والدليل والبرهان.
ان الحوار في مثل هذه الأدوات ينسف فكرة التعايش من الأساس، لانه يثير الضغائن والتمييز في المجتمع، وكذلك يؤسس للظلم، وكما هو معروف فان {الْعَسْفَ يَعُودُ بِالْجَلاَءِ، وَالْحَيْفَ يَدْعُو إِلَى السَّيْفِ} على حد قول أمير المؤمنين (ع).

يجب ان يكون الأصل في المجتمع هو السلام والصلح والعفو لنهيّئ الأرضية المناسبة واللازمة للتعايش، والى هذا المعنى أشار القران الكريم بقوله {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ولقد أوصى أمير المؤمنين (ع) مالكا الأشتر ان لا يرفض صلحا، وذلك بقوله في عهده المعروف {وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ لله فِيهِ رِضىً، فإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ، وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وأَمْناً لِبِلاَدِكَ} كما دعاه لإلغاء كل ما يمكن ان يكون سببا لإثارة الفتنة وبثّ الفرقة وإلغاء التعايش في المجتمع، فقال عليه السلام {أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقدٍ، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْر، وَتَغَابَ عَنْ كلِّ مَا لاَ يَضِحُ لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاع، فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ}.
رابعا: ان يؤمن الجميع بان الوطن للجميع، ارضه ومياهه وخيراته وهواءه وكل شيء فيه، لا يحقّ لاحدٍ ان يستأثر بشيء دون الآخرين، ليشعر الجميع بانهم شركاء في البلد وليسوا غرباء او جاليات.

وان التعايش المقصود هنا لا يقتصر على جانب دون اخر، او بين فئتين دون بقية الفئات وشرائح المجتمع، ابدا، فنحن بحاجة الى ان نخلق فرص التعايش في الاسرة وفي المحلة وفي المدرسة وفي الجامعة وفي الدائرة وفي محل العمل وفي الشارع، على الصعيد السياسي والفكري والحزبي والعشائري، في السلطة وخارجها، وفي المعارضة وخارجها، ليكون التعايش هو الأصل في العلاقات الاجتماعية، وبذلك سنقضي على الأزمات والتشنّجات، ونقضي على النفوس المأزومة التي تطفر اذا لم تعجبها كلمة، وتسحب خنجرها من غمده اذا سمعت رأيا يمس القائد الضرورة، وتُشعِلُ الحرائق في كل مكان اذا اختلفت في ابسط وأتفه الامور، وتحلف بالطلاق اذا لم يستجب ضيفه لدعوة كريمة على فنجان قهوة.
وكل رمضان وانتم بخير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك