نزار حيدر
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}.
تخيّلوا!!! حتى كُفرهم بالله تعالى يُحمِّلونه الآخرين، انّهم التبريريّون ما اسعفتهم الحيلة، فهم على غير استعداد لتحمل ابسط مسؤولية، انهم يتهربون منها عند الحساب، الا انهم يتقاتلون عليها عند توزيع المناصب، وهم يبحثون عن كبش فداء يُلبّسونه المسؤولية كلما فشلوا او عجزوا، الا انهم أُسود الغاب وأبطال الميدان وقادة التاريخ اذا حققوا نجاحا حتى اذا كان مصطنعا او وهميا او مؤقتا.
اذا سألتهم عن العلة بعد السقوط أجابوا {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} واذا واجهتهم مجتمعين تلاوموا فيأخذ بعضهم يجبّن بعضا {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} على الرغم من انهم ورثوا سلطان منْ رأوا بأُمّ أعينهم ماذا كانت نتيجته؟ وكيف كانت نهاياته البائسة؟ الا انهم يصرّون على الفشل ولنفس الأسباب، مع قيام الحجة والبرهان والدليل {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} لانهم ينسون او يتناسون فيكرّرون نفس الخطا وينتهجون نفس المنهج ويلتزمون نفس السّمت ويتبنّون نفس السياسات {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}.
ان الشعور بالمسؤولية ثقافة، وهي تربية منذ الصغر، فإذا شبّ عليها الانسان منذ الطفولة، فستجدُه يتحملها في الكِبر، والعكس هو الصحيح، ولذلك ترى المواطن في بلاد الغرب يبادر الى تحمّل المسؤولية والاعتراف بها مهما كان الثمن، سواء كان مسؤولا في الدولة او مواطنا عاديا، اما عندنا، فالتبرير للهرب من المسؤولية ابسط الأشياء وأيسرها، ولذلك، مثلا، لم نسمع الطاغية الذليل صدام حسين يوما انه ظهر على العراقيين ليتحمل مسؤوليّةٍ ما ومن اي نوع كانت ابدا، على الرغم من انه حكم اكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وقد جرّت سياساته الكارثية البلاد الى الغزو والاحتلال والدمار، ومع كل ذلك ظل يكابر ويعاند، هربا من المسؤولية، وفي كل مرة كان يُقدّم كبش فداء يعثر عليه بكل سهولة، ليرمي بالمسؤولية عليه ويتخلص منها.
واليوم كذلك، فعلى الرغم من السياسات الكارثيّة التي انتهجها وتبناها السياسيون العراقيون طوال العقد الماضي، الا اننا لم نسمع من احدهم اعترافا بخطأ او بفشل ابدا، فكلهم غير مسؤولين عما يجري من نهايات بائسة، وكلهم أبرياء مما يحصل من كوارث تكاد تأخذ البلاد الى المجهول، وكلهم يرمون بالمسؤولية على زيد وعمرو للتهرب من المسؤولية، وكأن السبب هي الملائكة او الجن!!!.
ان واحدة من علل النجاح وتجنّب تراكم الفشل هي ان نتعلم كيف نتحمّل المسؤولية اذا ما فشلنا او اخفقنا، وهذا ما يتطلب من المسؤول في الدولة تحديدا ان لا يقرّب اليه المتملّقين والوصوليّين والنفعيّين، لان هذا النوع من البطانة يقلبوا الحقائق عند المسؤول فلا يُسمعونه الا الكلام الذي يريده ويعجبه وتطرب له أذنيه، انهم يبرّرون له الخطا ويفلسفون له الفشل ويبحثون له في كل مرة عن مخارج للهرب من المسؤولية، وللأسف الشديد فان مثل هذا النوع من البطانة لا تجدها الا بالقرب من المسؤولين في بلداننا، اما في الغرب وفي المجتمعات التي يحترم فيها المسؤول نفسه وشعبه، فان اول نصيحة يسمعها من بطانته اذا ما فشِل او عجز عن الإنجاز هي ان يقدم استقالته من دون لف او دوران، وهو يتقبّل النصيحة بكل رحابة صدر، اما عندنا فإذا تجرّأ احدٌ وهمس بمثل هذه النصيحة في أُذن المسؤول فانه سيلقى مصيره المحتوم لا محالة، بالفصل والأبعاد اذا كان ذا حضوة عند المسؤول او النفي والقتل اذا لم يكن كذلك.
تعالوا نربي أبناءنا على تحمل المسؤولية من خلال مساعدتهم على التعبير عن انفسهم من جانب، والتحلي بالشجاعة من جانب اخر.
ان تحمل المسؤولية عند الفشل والعجز دليل احترام الانسان لنفسه، كما انه دليل احترامه للآخرين، وكذلك للموقع الذي تصدى له، والعكس هو الصحيح، فلا يتهرب من تحمّل المسؤولية الا التافه الذي لا يحترم شيئا، لا نفسه ولا غيره ولا الموقع.
وكل رمضان وانتم بخير.
https://telegram.me/buratha