{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}.
شريطة ان لا تدعو الله تعالى وانت شاكّ بقدرته على الإجابة، كما فعل الحواريّون عندما سألوا عيسى عليه السلام مستفهمين، بقولهم {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فهم سألوا نبيّهم المائدة كما لو انهم يسالونها من عبد، يقدرْ او لا يقدرْ؟ يستطيعُ او لا يستطيعُ؟ ناسين او متناسين انه عز وجل {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ولذلك ردّ عليهم عيسى (ع) بعنف قائلا لهم {اتَّقُوا اللَّهَ} فالمؤمن لا يسأل ربه مستفهما وإنما يسأله متيقّنا، ولذلك ورد في قوله عز وجل {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ولعل من ابرز مصاديق الغيب هو الإيمان بأسماء الله الحسنى، بيقين ومن دون أدنى شك او تردد، فمثلا، ان من أسمائه تعالى؛ القادر، فهو يقول للشيء كن فيكون، فالمؤمن اذا دعا الله تعالى يجب ان يكون على يقين تام من انه عز وجل قادر على الاستجابة مهما عظُم الطلب في عين العبد، الا انه يبقى صغيرا وضئيلا امام قدرة الله عز وجل، ولذلك عندما سأل قوم الامام جعفر بن مجمد الصادق عليه السلام: ندعو فلا يُستجاب لنا؟ قال: {لأنكم تدعون من لا تعرفونه} لذلك ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) {يقول الله عز وجل؛ من سألني وهو يعلم انّي أضرّ وأنفع استجيب له} والعكس هو الصحيح، فالذي يدعو الله تعالى وهو غير متيقّن ما اذا كان سبحانه قادرا على الاستجابة ام لا؟ فلن يستجيب له ربه دعاءه ابدا، لان الدعاء بشكّ لا يُستجاب البتّة.
ان الدعاء على يقين احد اهم شروط الاستجابة، ففي الحديث القدسي ان بني اسرائيل أصابهم قحط سبع سنين، فخرج موسى عليه السلام يستسقي لهم في سبعين ألفا، فأوحى الله اليه {كيف استجيب لهم، وقد أظلّت عليهم ذنوبهم، وسرائرهم خبيثة، يدعوني على غير يقين، ويتمنون مكري}؟.
وإنّ من أقبح الأشياء التي تردّ الدعاء، هو الظلم، فإذا كان في رقبة احدهم مظلمة لعبد ثم دعا الله تعالى فلست أشك في ان دعاءه مردود قطعا، لان الاستجابة لا تجتمع مع الظلم ابدا، فعن الامام الصادق (ع) {انّ الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي لا أجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ولاحدٍ عنده مثل تلك المظلمة} وفيما وعظ الله تعالى به عيسى (ع): قل لِظلمة بني اسرائيل؛ {لا تدعوني والسحت تحت أقدامكم والأصنام في بيوتكم، فاني آليت ان أجيب من دعاني، وإنّ إجابتي إياهم لعنٌ لهم حتى يتفرقوا}.
كما ينبغي ان يكون الدعاء بلسانٍ لم يعصِ الله عز وجل، فليستحِ اللسان الذي يكذب على الله تعالى او يعصي أمره فيهين له مؤمنا، ان يسال الله تعالى شيئا، فلقد أوحى الله عز وجل الى موسى عليه السلام ان {يا موسى! أُدعني على لسان لم تعصني به} وكذلك ينبغي ان يكون العبد على ما يحبه الله من عمل صالح اذا أراد ان يرى استجابة الدعاء منه عز وجل، فلقد مر موسى برجل من أصحابه وهو ساجد، ثم انصرف من حاجته وهو ساجد، فقال موسى؛ لو كانت حاجتك في يدي لقضيتها لك، فأوحى الله تعالى اليه {يا موسى! لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلتُ منه، حتى يتحول عما أكره الى ما احب} فكيف ينتظر الإجابة من يدعو الله وهو في حال العصيان؟!.
هذا من جانب، ومن جانب اخر فان للدعاء أبواب لا ينبغي للعبد ان ينتظر الإجابة من الله الرحمن الرحيم اذا ولِجه العبد من غير بابه، فلقد مر موسى برجل وهو رافع يده يدعو فغاب في حاجته سبعة ايام ثم رجع اليه وهو رافع يده الى السماء يدعو فقال؛ يا رب، هذا عبدُك رافعٌ يديه اليك يسألُك الحاجة ويسألُك المغفرة منذ سبعة ايام، لا تستجيب له، فأوحى الله اليه {يا موسى! لو دعاني حتى تسقط يداه، او تنقطع يداه، او ينقطع لسانه لم استجب له حتى يأتيني من الباب الذي امرته}،
يبقى امر في غاية الأهمية بهذا الصدد، وهو اعتبار البعض ان الدعاء بديل العمل والجد والاجتهاد وبذل الطاقة، ابدا، فالدعاء ليس بديلا وإنما هو عامل مساعد، فعن الامام الصادق عليه السلام {أربعة لا يستجاب لهم دعاء: رجلٌ جالس في بيته يقول؛ يا رب ارزقني، فيقول له: الْم آمرك بالطلب؟!}.
نسالكم الدعاء في هذه الليالي العظيمة، وفي ليلة القدر، ونسالُه تعالى الإجابة.
وكل رمضان وانتم بخير.
https://telegram.me/buratha