هذه العبارة، والتي تعني (ابدا، مرة اخرى) في إشارة الى عدم التكرار، المأساة هنا، تواجهك في صدر مبنى الهولوكوست اليهودي وانت تدخل العاصمة الأميركية واشنطن.
فلقد تعرض اليهود الى مأساة إنسانية في القرن الماضي والتي عرفت بالهولوكوست، فقرروا ان لا تتكرر ابدا مهما كان السبب، فرفعوا هذا الشعار زمن الهزيمة والضعف ليتحول الى مشروع عمل جدي ومثابر لينقلهم الى زمن النصر والقوة والنجاح.
على العكس من هذا الشعار، هناك شعار آخر نرفعه نحن العرب او المسلمين او الشرق أوسطيين او سمّنا ما شئت، يقول الشعار:
Again and again every moment.
اي، مرة اخرى واخرى في كل لحظة، وهو يشير الى تكرار مآسينا دائماً، ولعل العراق احد ابرز مصاديق هذا الشعار، فهو البلد الوحيد في العالم الذي تعرض للغزو الأجنبي ثلاث مرات في مدة قرن واحد فقط! ولعله الوحيد الذي يستنسخ الديكتاتورية بشكل مستمر، والوحيد الذي يشهد عمليات تهجير ونزوح داخلية وخارجية على راس كل عقد من الزمن منذ تاسيس الدولية العراقية الحديثة ولحد الان.
فلماذا يتكرر عندنا التاريخ الأسود دائماً، اما عندهم فيكفي مرة واحدة فقط؟.
برايي، فان الأسباب كثيرة لعل من ابرزها:
اولا: انهم حولوا فعلهم من الفرد الى الجماعة من خلال مأسسة المكوّن، اما نحن فلا زلنا نعمل بعقلية الفرد ولم نتعلم، بعد، كيف نتعاون بعقلية الجماعة، عقلية الفريق، ولذلك فان التجربة عندهم تتراكم وكذلك الخبرة والنجاحات، اما نحن فلم نعرف، بعد، معنى لتراكم الخبرة والتجربة، ولهذا السبب فانّ أعمالنا ونجاحاتنا ونشاطاتنا وقتيّة وآنية اذا طال عمرها فلا يتجاوز عمر الانسان القائم عليها.
ثانيا: الانتقال من العقلية التكتيكية الى عقلية بناء الاستراتيجيات، فهم يخططون للمستقبل، ونحن نفكر بالماضي، لماذا حدث؟ وكيف؟ انهم يفكرون بعقلية المستقبل، اما نحن فلا نزال نجترّ الماضي، ولذلك فهم يكتبون برؤية استراتيجية للمستقبل، ونحن نكتب برؤية التاريخ للماضي.
ثالثا: في اول كراس حركي، وقتها، قرأته وانا في طريقي للانتماء الى التنظيم الحركي الرسالي، وكان عنوانه (الثقافة الرسالية) وكان عمري وقتها لم يتجاوز () عاما، تعلمت العبارة الذهبية التالية التي وردت في الكراس، تقول العبارة؛
يختلف الانسان عن القرد في ان الاول يمتلك القابلية والقدرة على التعلم من تجارب الآخرين، ولذلك تتناقل الأجيال خبراتها وتجاربها باستمرار، اما القرد فلا يمتلك مثل هذه القدرة والقابلية، ولذلك ترى ان كل جيل من القردة يسعى بتجربة الحياة بنفسه من الصفر.
مشكلتنا هي اننا لم نعد نتعلم من اية تجربة، لا ذاتية ولا تجارب الآخرين من الامم والشعوب، وكاننا رحنا نتقمّص شخصية القردة، فترى كل جيل منا يبذل قصارى جهده لتجربة الحياة من نقطة الصفر، ناسيا او متناسيا بان الحياة كلها تجارب، يجب ان تستحضرها الأجيال دائماً، اذ ليس هناك متسع من الوقت ليجرب كل جيل كل شيء في هذه الحياة.
رابعا: واذا استحضرنا شيئا من التاريخ، فسينحصر في واحد من ثلاثة، على حد الكراس المشار اليه، وبتصرف:
/ اجترار المآسي والدموع اللامسؤولية التي تفهم التاريخ على انه تبرير لانتماء تاريخي مزيف من اجل التخلص من وخز الضمير تجاه الواقع الفاسد.
/ تكرار الجدليات لإثبات قضايا تاريخية، في محاولة مستميتة لتبرير واقع فاسد نعيشه الان.
/ الانطواء على الذات، وكاننا نعيش الماضي السحيق.
ولكل ذلك فليس غريبا ابدا ان يتكرر عندنا التاريخ بأسوا أشكاله، فما يجري اليوم في الموصل مثلا هو تكرار طبق الأصل لمشاهد مرت علينا عشرات المرات، ان لم تكن مئات المرات، كما ان منهجية التكفير التي تنتج مثل هذا الذبح على الهوية والتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس وتعليقها في الطرقات العامة، وتدمير التاريخ والحضارة والمدنية هي مشاهد مكررة مئات المرات في تاريخنا، وان تداول ظاهرة الاستبداد والتشبث بالسلطة وانعدام الولاء للوطن وتقديم مصالح الجماعة والمكون على الصالح العام، والتآمر مع الغريب لتدمير القريب، ان كل ذلك مشاهد مكررة مئات المرات في تاريخنا، وكأننا لم نسمع بها او نقرأ عنها او اننا صنعناها بأيدينا في مرحلة من مراحل تاريخنا الأسود.
فإلى متى سنظل نجتر الماسي من دون ان نتعلم من تاريخنا وتجاربنا؟.
هل من احتمال لنرفع في يوم من الايام شعار:
Never again
https://telegram.me/buratha