بينما كنت أسير في منطقة الكرادة، بعد إغلاقها من قبل القوات الأمنية، ومنع سير العجلات في الجانب المحاذي لرمز المنطقة التأريخي (ساحة كهرمانة)، شاهدت أحد أصدقائي؛ ألذين مضى على اشتياقي لهم فترة ليست بوجيزة، فأيام الدراسة الإعدادية وصلت الى ما يقارب ثلث عمري الحالي.
بعد أنْ تبادلنا السلام، وشعرنا بلهفة الاشتياق الذي طال أمدهُ لسنون مضت، سألته عن حياته، وأين وصل به الدهر، أخبرني انه قد تزوج منذ أكثر من سنتين، ولديه من الأطفال بنت واحدة، بعد أن حصل على مركز حكومي مرموق، في إحدى مؤسسات الدولة التابعة لحزب السلطة، سيما وإنَ أحد اقربائه؛ من الزعامات المعروفة في التيارات المنضوية ضمن إئتلاف السلطة.
اخذنا نسير لمسافة، بحثنا عن مكان لنجلس فيه، ونتبادل الأحاديث المطولة، قال لي إنه لا يستطيع أن يستمر بالسير معي، فهنالك مظاهرة وهو ملزم بالمشاركة فيها، سيما إنه أحد المنظمين لها، قلت له: وما ألذي يلزمك بالمشاركة؟ قال: كيف لا أشارك بنصرة من أوصلني الى ما انا عليه الان! ولكن؛ بإمكاني ان أوصي أحد الشباب أن يحل محلي لبعض الوقت.
سألني صديقي عن وضعي خلال تلك الفترة ألتي لم نكن نتواصل خلالها، أخبرته بدراستي في كلية العلوم وتخرجي منها منذ سنتين وأعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية التابعة لأحد التيارات ألسياسية، أعرف انه لا ربط بتخصصي وعملي، لكن الحياة لها قانونها! بينما علم إن لدي إرتباط بتيار سياسي لم يشارك بالسلطة طيلة الدورتين السابقتين، قال لي: ولن يشارك في هذه الدورة أيضا! صدمت بقوله وكأنه يعرف أمورا أجهلها.
سألته عن يقينه بما قاله لي، فأجابني بقصة قصيرة، أطلق عليها "الدجاجة البيضاء"، تدور بين خيال منطقي و واقع من المحتمل انها حدثت وتحدث وستحدث خلاله، في إحدى الليالي؛ سطا سارق على منزل تسكنه عائلة صغيرة في حي شعبي، دخل البيت بطريقة مدروسة، ومضى يخطو بخطوات محسوبة، ولكن لحظة وصوله الباب الخلفي للمنزل؛ سمع ابنهم ضجيجاً، ومع استمراره؛ تيقن إن هنالك سارق ينوي الدخول عنوة الى الدار، فنهض مسرعاً، ولبد قرابة إحدى الخزانات، فعندما دخل السارق، ونال مبتغاه من الدار، وخرج بصورة سليمة دون اعتراض، ركض الولد الى ذويه ، وقال لهم: شاهدت السارق عندما دخل من الباب الخلفي؛ ولم امنعه، وتقدم نحو غرفة المعيشة، تركته دون اعتراض ليدخل غرفتكم، ورأيته يأخذ النقود والمجوهرات، ويضعها في حقيبته، ولم أتحرك من مكاني، وخرج من الباب ألتي دخل منها، وأغلقها خلفه، فتحركت وقلت له "بذمتك"!
كان يقصد؛ إن هنالك من يصعب إيقافهم، مهما كانوا ظلمة، ويمتهنون السرقة، وإقصاء الأخر، فلا أحد سيقف بوجههم ويعترض، خوفا كان أو لهم مصالح مشتركة.
الأمر سيان بالنسبة للسلطة الحاكمة في العراق، فمع رفض المرجعية الدينية العليا، إعادة انتخاب المجرب، ومن لم يجلب للعراق سوى الدمار، ورفض المحيط الإقليمي لمن فشل في إدارة كل الملفات الحيوية للبلاد، ورفض جماهيري حاشد من قبل جمهور الكتل السياسية المنافسة، إلا إننا ما زلنا نجهل موقف تلك الكتل، واعتمادها مبدأ "أنْ تكون خارجا، يعني أنت بأمان"!.
من سيصلح؟ من سيغير؟ من سيطبق توجيهات المرجعية الدينية؟ من سينتقل بواقع العراق وشعبه الى بر الأمان؟ من سيعيد بناء ما هدمته القيادة الفاشلة؟ من سيواسي ثكالى الوطن؟ من سيعيد كرامة العراق؟
وأن بقي، هل سنقول له "بذمتك"؟ أم سنعتمد البقاء خارجاً؟
https://telegram.me/buratha