خامس عشر: أسِّس لعلاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم، تقوم على اساس الاحترام المتبادل وليس التقديس، وعلى اساس ان الحاكم خادم وليس معبود الجماهير، وانه اليوم في السلطة وغدا خارجها وليس على انه القائد الضرورة، وهو يحتاج لكل انواع الدعم والتأييد لازال يحقق مصالح الناس وما يصبو اليه المجتمع ولكن ليس (بالروح بالدم) وعلى اساس الإصغاء والفهم المتبادل، وعلى اساس الحقوق والواجبات المتبادلة، وعلى اساس الرقابة الشعبية والنقد البناء والتقييم الواقعي للأداء الحكومي.
لقد تتبّعت قصص الكثير جدا من القادة والزعماء في العالم الحاضر وفي التاريخ، وفي كل القارات والاتجاهات والأمم والشعوب، فاكتشفت ان سر نجاح او فشل الحاكم يكمن في نوعية العلاقة بينه وبين شعبه، فعلاقة الناجح به علاقة الاحترام، هو يحترم ارادات الناس ولا يخرج عليها، فلا يكذب عليهم ولا يدير أموره بليل وتحت الطاولة فلا يعقد الاتفاقات والصفقات في الغرف المظلمة، ولا يعد الناس قبل ان يتيقّن بانه قادر على الوفاء والإنجاز، واذا شك به الرأي العام أصحر له في رايه، يسمع للنقد ولا يخاف الرأي الاخر.
اما الشعب، فلا يعبُده ولا يقدسّه ولا يصفّق او يهتف له، إنما يبني العلاقة معه على اساس الإنجاز، فاذا نجح حيّاه واذا فشل نبّهه، لا يسكت على ظلم وفي نفس الوقت على يتجاوز على حقوق احد.
لذلك؛ اتمنى عليك وأرجوك صادقاً ومشفقاً، اذا صادف ان وقفت يوما تخطب في الناس وسمعت احداً من الرعية يهتف باسمك او يؤلّهك بقصيدة او يطعن بغيرك او رايت احدهم وقد استعدل واستعدّ، فأمسك بعقاله وحمل عباءته بيده، ليطلق الهوسات مدحا وتعظيما وتأليها، فألقِمه حجرا ليخرسّ ولا تشجّعه بالرد عليه، مثلا، بعبارة (ما نعطيها) وإنما علّمه وربّهِ بالرد عليه بما قاله لهم ذات مرة أمير المؤمنين (ع) {فَلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ}.
علّم الناس كيف يتعاملون بشكل صحيح وسليم مع الحاكم ليس بالقول فقط وإنما بالعمل كذلك.
ساعدهم في ان يحترموك فلا يقدّسوك او يعبدوك، ليساعدوك في ان لا تتكبر او تتجبّر او تستبد.
اذا تظاهر الناس ضدك فلا تصفهم بالفقاعة، مثلا، بل احترم إرادتهم في التعبير، وبدلا من ان تبعث لهم قوة مسلحة لفضّ التظاهرة او قمعها، ابعث لهم مندوبا برفقة محامي ليقف على مطاليبهم فيعدهم بتلبية الدستوري والقانوني منها ويشرح لهم لماذا ان بعضها غير ذلك، مثلا؟.
وهنا اود ان أوجه بعض الكلام الى الشعب واقول له:
كفّ عن صناعة الطغاة فلا تعبد شخصا ولا تؤله حاكما ولا تصفق وانت لا تدري لماذا؟ وكذلك لا تسب وانت لا تدري لماذا؟ تعلم من التجربة فلا تكرر الخطا في كل يوم، وتعامل مع الحاكم كموظف منحته الثقة ليسهر على مصالحك ويحقق احلامك وطموحاتك، فاذا نجح فبها والا فعليك واجب إزاحته واستبداله باخر.
ان ما يحققه الحاكم من نجاحات من صلب واجباته، فهي ليست مكرمات ولا منّة منه عليك، فنجاحاته من حقوقك وواجباته، اما الفشل فيفرض عليك واجب التغيير.
المعيار مصالحك وليست مصالحه، ومستقبلك وليس مستقبله، وحقوقك اولا قبل واجباته، وتعلّم بان المرتب الشهري الذي يتسلمه من خزينة الدولة هو من أموالك، كما لو انك تعطي للمحامي ليدافع عنك في قضية او لسائق الأجرة لإيصالك الى مكان ما او للطبيب ليفحصك ويشخّص مرضك فيكتب لك الدواء، فكما انك ستعترض، وبشدة، على كل هؤلاء اذا لم يكن مردودهم يساوى المبلغ الذي دفعته لهم، كذلك الحاكم، عليك الاعتراض عليه وبشدة وقسوة اذا لم يكن مردوده يساوي المبلغ الذي تدفعه له من المال العام.
كف عن الركض لاهثا خلف موكب المسؤول، علّمهُ ان يقف عند بابك وليس العكس، فانت صاحب النعمة والمنفصلة عليه، لا هو.
https://telegram.me/buratha