تاسع عشر: ان ما قدّمته المرجعية الدّينية العليا أمس في خطبة صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف في مدينة سيد الشهداء الامام الحسين بن علي (ع) كربلاء المقدسة، يلزم ان يكون ورقة عمل لك شخصيا كونك راس السلطة التنفيذية، ولكل السياسيين الباقين، ليبدأ الجميع مشوارهم الجديد من اجل تصحيح كل اخطاء وتجاوز كل مشاكل الماضي التي تراكمت بسبب عدم إصغاء سلفُك الى صوت العقل والمنطق، صدى الشارع العراقي، المرجعية.
كما ان وصاياها بشأن الصّور والأعلام والرموز مهمة جدا، لإعلاء مفهوم المواطنة فوق اي مفهوم اخر، وهي بداية واعدة للقضاء على عبادة الشخصية ومفهوم القائد الضرورة، وكذلك تبنّي مبدأ ان المعيار ليس الشخص وإنما الإنجاز والنجاح وتحقيق الخدمة العامة.
عشرون: لا تصفْ شيئاً بالتاريخي، فلا زيارة تاريخية ولا خطاباً تاريخياً ولا مشروعاً تاريخياً، أُترك الواقع يتحدث عن نفسه، والتاريخ يتحدث عنك، وهو، بالمناسبة، لا يرحم ابدا، فلقد قلتُ مرّة لسلفِك في اجتماع خاص؛ ان المرحلة التي انت على راس الهرم فيها سيسجّلها التاريخ كما سجّل تفاصيل ما فعله آباؤنا وأجدادنا بداية القرن الماضي مثلا، وهي مرحلة تاسيس الدولة العراقية الحديثة، فقد يرحمنا ويثني علينا، او... وقبل ان أُكمل كلامي قاطعني وقال: أُطمئِنُك حجي، سيلعنُنا التاريخ، فالذي نفعله الان ليس هناك أمل برحمة التاريخ لنا!!!.
وكأنّه كان يقرأ مستقبله.
واحد وعشرون: واخيرا، هناك سؤالان:
الاول يقول؛ ان هذه الاستشارات التي قدمتها لك، مثاليّة، واقول: هي ليست مثالية فكل دول العالم المتحضر تأخذ بها اليوم.
انها مبادئ العقلاء والقادة الذين يحبّون بلدانهم ويحترمون اراداتهم ويعملون من اجل صالح شعوبهم.
نعم، هي مثالية للّذين يتسنّمون الموقع لملء جيوبهم وتمكين عوائلهم وأحزابهم وعشائرهم.
صحيح، انت لا تمتلك عصا موسى السحريّة لتنفيذها للحظتها، فانا أوافقك الرأي بهذا، ولذلك فان كل أملي في ان تأخذ بأحسنها والأولى فالأولى.
اما السؤال الثاني؛ فهو الذي ينطلق من التشكيك بقدراتك شخصيا على فعل شيء منها، وللجواب، اعود الى (اولا) التي صدّرت بها هذه السلسلة، وأكرر القول؛ لو انك أعلنت عدم نيّتك البقاء في هذا الموقع لدورة دستورية ثانية فسينصبّ اهتمامك على الإنجاز وليس على السلطة، وبذلك ستمنح نفسك قوة خارقة تلغي كل الخطوط الإدارية الحمراء التي يضعها المسؤول لترضية هذا ومحاباة ذاك ليضمن التجديد له.
ان مجرّد التفكير بالتشبث بالسلطة، كما فعل سلفُك، يغيّر خارطة الأولويات، لان متطلّبات السلطة تختلف عن متطلّبات الدولة، كما تختلف عن متطلّبات النجاح والإنجاز، ولكل واحدٍ منهما إصرار وعزيمة ومثابرة من نوع خاص.
كما ان التشبث بالسلطة والتهالك عليها يشجّع على الفساد او التستر عليه، وعلى نمو الفاحشة السياسية، كما انه يساهم في صناعة (حسين كامل) النموذج، على مر التاريخ.
امّا تداول السلطة فبمثابة رقيب ذاتي على المسؤول يحول بينه وبين اي نوع من انواع الفساد التي يلجأ اليها المتشبّث بها ليضمن التجديد.
كما انه مبدأ يساهم في وضع حد لظاهرة انّ مسيرة الحاكم عندنا (من القصر الى القبر) وأحيانا الى السحل في الشوارع، وكذلك يقضي على ظاهرة تمزيق صوره وإسقاط تماثيله ورميها بالاحذية لحظة سماع خبر إقالته او تنحيته او الانقلاب عليه او طرده.
شكراً
https://telegram.me/buratha