هي فكرة نستوحيها من رواية وردت عن الامام علي بن موسى الرضا (ع) والذي يصادف يوم الاحد ( أيلول) ذكرى ولادته، عندما سُئِل عن أوّل سورة من القرآن الكريم نزلت على رسول الله (ص) وآخر سورة منه نزلت عليه (ص) فقال:
سمعتُ أبي يحدّث عن أبيه عليهم السلام ان أول سورة نزلت {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وآخر سورة نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}.
انها توحي الى حقيقة في غاية الأهمية وهي أنّ النّصر، ايّ نصر، لا يتحقّق بالامنيات وإنما يتحقق بالعلم والتعلم والقراءة والمتابعة والجد والمثابرة.
فلقد حقّقت الامم والحضارات إنجازاتها بالعلم والمعرفة، اما الامم التي ظلت تنتظر المعجزة لتحقق شيئا من ذلك، فقد طال انتظارها من دون ان تحصل على شيء منه.
وإنّنا اذا اردنا ان نغيّر حالنا ونحقق التغيير فلا يمكن ذلك من دون ان نقرأ:
اولا: التجربة بتجرد عن العواطف لنقيّمها بعلميّة مجردّة عن الحب والبغض الذي يُشطِط بصاحبه بعيدا عن الحقيقة.
ثانيا: التاريخ من دون ان نتوقّف عنده، فنحن نتاجه ولكننا لا نُنتِجُه وإنما ورثناه من الأجيال التي سبقتنا.
ثالثا: الواقع جيدا فلا نكون مثاليين كما لو اننا ملائكة او ان واقعنا مثالي منزّه عن كل شيء سلبي، او كأننا لوحدنا في هذا العالم فلا ننتبه الى ما حولنا سواء في المحيط الإقليمي او الدّولي.
رابعا: حاجاتنا ومصالحنا لنعرف ماذا نريد؟ وكيف نحققه؟ وما هي الآليات والأدوات؟.
خامسا: قدراتنا وما نمتلك من نقاط قوة وضعف لتأتي خططنا مطابقة او على الأقل قريبة من الذات فلا نحلّق في الفضاء فنعيش الوهم.
ان العراق هو بلد الحضارات بلا شك، وهو علّم البشرية الكثير جدا من العلوم والفنون والآداب، الا ان واقعه اليوم لا ينسجم مع ما ورثه من الحضارات التي بنتها الأجيال السابقة على مرّ القرون، لماذا؟ لأننا اكتفينا بالتغنّي بالماضي السحيق من دون ان نسعى لاستحضاره كخبرة في عملية البناء الحضاري، فترانا مثلا نتغنّى بحقيقة ان العراقيين علّموا البشرية القراءة والكتابة، الا ان نصفهم اليوم، ربما، لم يقرؤوا ولم يكتبوا، اي أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، كما ترانا نتغنّى بحقيقة انّ حضارة العراق علّمت البشرية طرق السقي فكانت بلاد ما بين النهرين تغذي نصف العالم بإنتاجها الزراعي سنوات القحط، اما اليوم فان العراق يستورد كلّ ما يحتاجه من الغذاء والطعام من دول العالم المختلفة وحتى المتخلّفة منها!!!.
انّ علينا ان نقرأ الامور بشكل سليم الامر الذي يتطلب منا ان نعترف بواقعنا بلا مكابرة او تعنّت او تزمّت، فالثناء والمديح والفخر والمفاخرة وحدها لا تكفي، فليس من المهم ان تهتم بما كنت عليه وإنما المهم جداً ان تهتم بما ينبغي ان تكون عليه، فكم من شعوب وأمم وحضارات كانت تشغل العالم بنتاجاتها، وهي اليوم لا شيء لم يبق منها الا الأطلال! والعكس هو الصحيح، فكم من شعوب وأمم كانت تسير في نهاية الركب الحضاري اذا بها اليوم تقوده وعلى مختلف الأصعدة!.
ليسأل كل واحد منا نفسه؛ هل هو يقرأ؟ وماذا يقرأ؟ وكيف يقرأ؟.
انّ جلّ العراقيين، وخاصة الشباب، لم يعودوا يقرأون، فلقد طلّقت الأغلبية الكتاب فأصبح من التراث، واستعاضوا عنه بالقراءات التافهة التي تسطّح العقل والفكر والمعرفة، او تراهم منشغلون بالدردشات وقضاء الوقت بالألعاب الكومبيوتريّة وما أشبه.
ان شعباً لا يصاحب الكتاب ولا يقتنيه ولا يقترب منه لهو شعب متخلف وجاهل، وأتذكر مرة قراتُ تقريراً يقول ان معدل أوقات المطالعات العامة لدى الشعوب العربية هو () دقيقة فقط في العام! فهل يمكن لمثل هذه الشعوب ان تتطوّر او تتقدّم او حتى تُنتج؟ ولذلك فهي شعوب تجترّ إنجازاتها التاريخية وتستهلك الحضارة وإن كان بالمقلوب في اغلب الأحيان!.
ان القراءة والمطالعة والدراسة وطلب العلم هي سر النجاح، ولذلك فان علينا ان نعود الى الكتاب لنتسلح بهذا السر، وخيراً فعلت بعض منظمات المجتمع المدني في العراق عندما أطلقت حملة (إقرأ) في الحدائق العامة لحثّ الناس للعودة الى الكتاب.
انّنا بحاجة ماسّة الى إطلاق حملة وطنية في القراءة والمطالعة وثورة فكريّة عارمة لنخلق حالة وعي وحركة تنويريّة جديدة تتجاوز عوامل التخلف وأسباب الفشل التي انتجت كل هذا التقاتل والتدمير وتكرار الفشل بأسوأ صوره.
ان الجهل والأميّة تقف على رأس الأسباب التي تخلق عندنا كل هذه الأمراض الاجتماعية المستعصية مثل عبادة الشخصية التي تنتج الطاغوت والقائد الضرورة، فترانا مجتمع يكثُر فيه عَبَدَ الطاغوت بأسوأ صورهم.
https://telegram.me/buratha