مع عبور أخر جندي أمريكي إلى الكويت ضمن طابور مؤلف من نحو 100 مركبة مدرعة عسكرية أمريكية تقل 500 جندي أمريكي سار عبر صحراء العراق الجنوبية خلال الليل على امتداد طريق رئيسي خال إلى الحدود الكويتية، انتهت بذلك صفحة سوداوية في تاريخ العراق الجديد لتبدأ صفحة أخرى أكثر مأساوية هي صفحة الإرهاب الأسود الذي بدأ مع بدايات عام 2005 يتفنن في أثارته للطائفية والقتل العشوائي للمدنيين ، وبأسلوب طائفي خطير .
الملاحظ خلال العامين المنصرمين، أن الوضع المتأزم في تزايد مستمر منذ خروج القوات الأمريكية، حيث الوضع الأمني في تزايد ملحوض لأعمال العنف وانتشار الجدران الكونكريتية على طول بعض المناطق في ظل أعمال العنف التي تضرب العاصمة بغداد ، والتي تستهدف المدنيين الأبرياء وإيقاع اكبر عدد من الضحايا بين صفوفهم .
أكثر من 8000 شخص استشهدوا نتيجة الأعمال الإرهابية عام 2013 حسب إحصائية وضعتها الأمم المتحدة، حيث أن معظم القتلى هم من المدنيين الأبرياء راحوا ضحية التفجيرات التي ضربت المدن العراقية عموماً . اعمال العنف التي بدأت تدريجيا في المناطق الغربية عام 2011 بعد خروج القوات الأمريكية منها، حيث كانت تشهد اعتداءات على القوات الأمنية من قبل مسلحين موالين لنظام البعث وضباط الجيش والاستخبارات والمخابرات وفدائيي صدام وغيرها من تشكيلات النظام القمعية ، حيث شهدت الانبار موجة احتجاجات ضد الحكومة بقيادة المطلوب للقضاء طارق الهاشمي التي راح ضحيتها جنود وبعض المدنيين وهروب المطلوب للقضاء العراقي إلى خارج البلاد.
هنا نتساءل لماذا اعمال العنف ازدادت مع خروج القوات الأمريكية ؟!! ، ولماذا هذا التقصّد في أضعاف الجيش العراقي ، وعدم تمكينه من السيطرة على أراضيه ، ومنع تسليمه السلاح من طائرات وأسلحة وأجهزة حديثة ومتطورة ؟! .
أحداث الموصل كشف وضعاً خطيراً في التعاطي مع العصابات الإجرامية من ارهابيي القاعدة "داعش" والذي زاد الأمر تعقيداً تحالفهم مع بقايا البعث وسقوط المدينة في أقل من ثلاث ساعات ليبدأ الداعشيون حرب التحرك نحو المدن القريبة من الموصل باتجاه صلاد الدين وكركوك وديالى .
مجلس محافظة الانبار الذي طالب في وقت سابق في دخول قوات أمنية إلى المحافظة ، وتحريرها من سيطرة "داعش" هي خطوة وصفت بالغير المسؤولية من مجلس المحافظة ، في حين أن من يقاتل اليوم بجنب الداعشيون هم من البعثين ورجال النظام السابق الذي أوغلوا قتلا بالشعب العراقي بوسائل وحشية من قتل وتعذيب ومقابر جماعية .
ربما مخطط الأمريكان احتلال العراق من جديد ، ولكن هذه المرة بطريقتهم هم ، من خلال إدخال العصابات الإرهابية "داعش" إلى الموصل بمساعدة الفاسدين في الحكومة العراقية السابقة والتي كانت على علم ودراية بدخول هذا التنظيم إلى المدن العراقية وخصوصا الموصل ، واليوم هذا الإعلان عن دخول الجيش الأمريكي يفتح كافة الاحتمالات والتساؤلات عن المغزى وراء دخول هذه القوات إلى الانبار ، خصوصاً أن الحكومة الأمريكية ربما لاتفكر في العودة إلى العراق لأنها لا تريد خسائر أكثر في العراق من العدة والعتاد والخسائر البشرية، لاسيما وان الحكومة الأمريكية دفعت ثمن اجتياحها للعراق، وهو الأمر الذي اعترف به أكثر من مسؤول أمريكي، كما أنها لا تريد تبديد أحلام جنودها الذين تركوا العراق تاركين خلفهم ذكريات سوف لن ينسوها ابدا.
أن من يطالب بدخول قوات برية إلى العراق تحت حجج التخليص من داعش يجازف بمستقبل العراق وسيادته ، وأن أبناء القوات المسلحة وأبناء الحشد الشعبي والعشائر العراقية الأصيلة هم قادرون على طرد عصابات داعش وتحرير الأراضي العراقية من دنسهم.
ما نحتاجه اليوم هي وقفة سياسية من جانب ورفع الهمم لقواتنا العسكرية من جانب آخر ، والوقوف بحزم أمام المخططات الخبيثة التي تحاول النيل من وحدة أرضنا وشعبنا الجريح ، وعدم السماح بتنفيذ المخططات والأجندات الخارجية التي يراد منها تمزيق العراق وإعادة رسم المنطقة وفق نظرية بايدن .
https://telegram.me/buratha