{يا اَبا عَبْدِاللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ اَهْلِ الإسْلامِ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى جَميعِ اَهْلِ السَّماواتِ}.
لو أنّ كلّ جريمة يستنكرها الناس ويرفضونها ويعظّمونها ولا يقبلون بها ولا يبرّرونها، لقلَّت الجرائم في هذا العالم، الا انّ المشكلة هي انّ الناس يمرّون على الجرائم مرورَ الكرام، ولذلك يستسهلها المجرمون فيكرّرونها.
ان المعصوم في هذه الفقرة من زيارة عاشوراء يحاول ان يُعظّم جريمة الطاغية يزيد بن معاوية بحق السبط سيد الشهداء الامام الحسين (ع) في عاشوراء في كربلاء لتظلّ البشرية تستنكرها كلما سمعت بقصّتها او مرّت عليها، فتعظيم الجريمة وسيلة فعالة من وسائل مكافحتها والعكس هو الصحيح، فكلما استخفّ الناس بهَول جريمة او بفضاعة خطأ كلّما استهان المجرمون بأفعالهم الشنيعة فكرّروها وأعادوا إنتاجها.
ولذلك حذّر أمير المؤمنين (ع) من الصاحب الذي يقلل من شأن الذنب، فعندما ساله زيد بن صوحان العبديّ عن ايّ صاحب شرّ؟ قال عليه السلام {المزيّن لكَ معصية الله}.
إنّه أسلوب قرآني ورد في العديد من الآيات الكريمة التي تتحدث عن جرائم الطغاة والمستبدين سواء جرائمهم المجتمعيّة او الاقتصادية او الأخلاقية او غير ذلك، كما في قوله تعالى عندما يتحدث عن جرائم فرعون {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}.
وبرأيي، فانّ ما عناه الشاعر الفذ في قوله؛ [كلّ يومٍ عاشوراء وكلّ ارضٍ كربلاء] ليس المقصود به الحثّ على تحويل الارض الى مسرح للقتل والذبح وإسالة الدماء وإزهاق الأرواح، ابداً، وإنما هي دعوة للحيلولة دون تكرار تراجيديا كربلاء من خلال استنكار ذلك الفعل الأموي القبيح الذي ارتكبه الطاغية يزيد ضد اهل البيت (ع) وتعظيمه لنزرع في نفوس الأجيال المتعاقبة وعقولها ووجدانها ووعيها خطر تكرار مثل تلك الجريمة، التي سنشهد مثيلاتها، مع الفارق الكبير جداً طبعاً، في كل ارض وفي كل يوم، اذا ما استمرأ الناس تلك الجريمة واسترخصوا التضحية وهوّنوا من بشاعة الأفعال التي ارتكبها الأمويون في ذلك اليوم.
وبمقدار ما يبذل شيعة الحسين (ع) ومحبّوه وأنصاره وعشّاق الحق والعدل والحرية والكرامة من جهود في العشر الاولى من محرم الحرام من كل عام، من جهد جسدي وروحي واعلامي وثقافي وفكري واجتماعي من اجل التذكير بهَول المصاب وعظمته كمساهمة منهم للحيلولة دون تكرار الجريمة، كونهم يعتمدون مبادئ الحب والتعايش مع الآخر المستند الى التنوّع والتعدّد، بنفس المقدار يبذل الأمويون الجدد كل ما بوسعهم للتقليل من عِظم الجريمة الأمويّة في محاولة منهم لغسل أدمغة الرأي العام الجاهل للقبول بفكرة تكرار الجرائم حتى سمعنا احدهم يقول (لو كنت مكان يزيد لما تردّدتُ في قتل الحسين) !!! لماذا؟ انه يحاول ان يُشرْعِن الجريمة ليهضمها أنصاره فيقبلون منه فكرة تكرارها، الامر الذي نراه اليوم بأُمّ أعيننا في الكثير من البلاد العربية والإسلامية وعلى رأسها العراق.
لقد حذّر الاسلام كثيراً من مغبّة الاستهانة بالذنب التافه والصغير وربما الحقير، فما بالك بالذنب الكبير؟ فلقد ورد عن رسول الله (ص) قوله {إيّاكم ومحقّرات الذنوب، فإنما مثل محقّرات الذنوب كمثل قومٍ نزلوا بطنَ وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خُبزهم، وإنّ محقّرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تُهلكه} لان الاستهانة بالذنوب الصغيرة طريق الى ارتكاب الذنوب الكبيرة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فانّ مشكلة الناس هي أنّهم يثورون ضد الجريمة اذا لامستهم بضرّها ويتفرّجون عليها اذا لم تؤثّر بشيء عليهم، فيما يلزم ان يستشعر الانسان ويتحسّس خطر الجريمة سواء استهدفته بشكل مباشر او لم تستهدفه، لانها ستترك أثرها، خاصة اذا كانت جريمة اجتماعية، على الجميع ولو بعد حين، ولذلك فالتحسّس منها أمر ضروري لتجنّب أثرها إنْ لم يكن في المستوى المنظور فعلى المستوى البعيد، والى ذلك أشار القرآن الكريم بقوله {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
https://telegram.me/buratha