لو انّ نظام القبيلة الحاكم في الجزيرة العربية تعامل بمنظور سياسي مع التغيير الذي شهده العراق في التاسع من نيسان عام لما اختار القطيعة مع العراق الجديد، والعدوانية، إلاّ انّه تعامل معه بمنظور طائفي بحت، لذلك حشد كل ما يملك من مال واعلام وفتاوى تكفير لتدميره، ولا نحتاج الى كثير عناء لنعرف السبب، فلو ان التغيير كان سطحياً لم يأتِ على المنظومة السياسية المعروفة بمنظومة (كوكس ــ النقيب) والتي اعتمدت الثلاثي المعروف (عسكري ـ عربي ـ سني) لتأسيس الدولة العراقية الحديثة كنتيجة لاتفاقات الكبار بُعيد الحرب العالمية الاولى، لتعامل نظام القبيلة معه بشكل آخر، فلطالما شهد العراق تغييرات سياسية متعددة لكنها لم تأت اية واحِدَةٍ منها على أساس المنظومة، ولذلك كان نظام القبيلة يتعامل معه بشكل او بآخر، لانه كان يتعامل معه بمنطلق سياسي ولان (السياسة فن الممكن) لذلك كان نظام القبيلة يبحث عن الممكنات ما استطاع الى ذلك سبيلا، ولكن هذه المرة يبدو له انه لا مجال لأي ممكنات، لان التغيير الذي شهده العراق جذرياً غيّر المعادلة السياسية التي ظلت تحكم العراق قرابة () عاما، كدولة حديثة.
تأسيساً على هذه الحقيقة التي لا يجادل فيها اثنان، أقول:
ليس هناك ملفات نحتاج لمناقشتها مع نظام القبيلة، إنما هو ملفٌ واحدٌ وواحدٌ فقط، ينحصر في ان يبدأ نظام القبيلة بالتعامل مع العراق الجديد بمعيارٍ سياسي، وليس طائفياً، وهذا الامر لا يتحقّق الا اذا استطاع (شجاع خارق للعادة، وسياسي محنك) ان يقنع نظام القبيلة بان عقارب الساعة في العراق لن تعود الى الوراء، وان عقارب الزمن العراقي ستظل تدور وتدور بالاتجاه الذي هي عليه الان من دون عودة الى الوراء، فلن يعود نظام (كوكس ـ النقيب) يحكم في العراق، ولن تعود الأقلية تتحكم بمصير الأغلبية، ولن يعود بإمكان عسكري مهووس ومسكون بجنون السلطة ان يحرّك عدد من الدبابات ليسيطر على الحكم بسرقة مسلحة يسمونها بالانقلاب العسكري او الثورة البيضاء او ما أشبه.
العراق الجديد شراكة بين كل مكوّناته مهما تعدّدت، فليس لاحد منها فضل على الآخرين، ولكلٍ حقٌ ومن كلٍّ واجبٌ حسب حجمه وقدرته وإمكانياته، والنظام في العراق بات ديمقراطياً تعددياً يتم تداول السلطة فيه عِبرَ صندوق الاقتراع، بحكم الدستور والقانون والتوافقات السياسية التي تحكم العلاقة بين الكتل السياسية، قد يشوب نظامه بعض المشاكل وبعض العقبات الا ان الأصل فيه كونه نظام برلماني دستوري فيدرالي.
متى ما استوعب نظام القبيلة هذه الحقيقة فسيبدأ التفكير بطريقة جديدة في بناء العلاقة مع العراق، والتعامل معه، تعتمد المنظور السياسي وليس الطائفي، فلقد جرّب طريقة التعامل بطائفية مع العراق الجديد ولم يحصد الا خيبات الأمل والفشل والهزائم المتكررة وفي اكثر من ساحة ساخنة، حتى بات الاٍرهاب يقف على بوابات الرياض، والذي بدا الاسبوع الماضي من الأحساء.
العراقيون يحترمون خيارات شعوب المنطقة، ولن يتدخلوا فيها، وهم يحترمون ويقدّرون القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمعهم مع شعب الجزيرة العربية، التاريخ والجغرافيا والدين والثقافة وغيرها الكثير، وفي نفس الوقت فانهم ينتظرون من نظام القبيلة ان يحترم خيارات العراقيين فلا يتدخل في شؤونهم ولا يعيّن نفسه حامياً لحقوق السنّة، على حد زعمه، فان اي تدخّل من جانبه وبأية ذريعة، عند العراقيين كذلك ما يبرّر تدخّلهم اذا شاؤوا، خاصة وان في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية مكوّن كبير وعظيم يتعرّض للتهميش وللسحق المنظم لحقوقه بل لابسط حقوق المواطنة، ولكم في رسائل المرجعيات الدينية بشأن العمل الإرهابي الذي نفّذته دوابكم في حسينية المصطفى بالاحساء، إشارة ظريفة نتمنى ان تكونوا قد استوعبتم رسالتها.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان العراق لا يطمع بشيء من نظام القبيلة فهو وبحمد الله يمتلك من المال والرجال والطاقات ما يغنيه عن الآخرين، فضلا عن ان نظام القبيلة ليس عنده ما ينفع العراق فلا نظامه السياسي ينفعه ليستفيد من خبرة نظام القبيلة على هذا الصعيد ولا هو يمتلك من الخبرات العلمية مثلا او التكنلوجيا او اي شيء اخر ليظنّ ان من مصلحة العراق الاستفادة منها.
كما ان تجربة نظام القبيلة في النظم والمناهج التعليمية هي الاخرى لا يُحسد عليها ولذلك لا يظن ان العراق بحاجة اليها مثلا.
ناهيك عن الثقافة القومية التي تُعدُّ الاسوء في العالم، والتي تقوم على أساس اثارة النعرات الطائفية وثقافة التكفير والكراهية والغاء الاخر والتحريض على العنف والارهاب، فهل يمكن لنظام القبيلة ان يثبت لنا ان كل جماعات العنف والارهاب التي تجتاح اليوم العالم العربي والإسلامي بل والعالم برمته هي ليست نتاج هذه الثقافات البالية والخطيرة؟.
إذن؛ انه ملفٌ واحدٌ لا غير ننتظر من نظام القبيلة ان يستوعبه:
دعوا العراق وشأنه، دعوا العراقيين وخياراتهم، فعقارب الزمن العراقي لن تعود الى الوراء مهما فعلتم.
تعاملوا مع المتغيّر العراقي سياسياً، كما تتعاملون مع اميركا واوربا، فمثلما لا تتعاملون معهم من منظور (ديني) كذلك لا تتعاملوا مع العراق من منظور (طائفي) وستجدون كيف ان المشاكل بين البلدين ستتهاوى كما تهاوت ابراج التجارة العالمية في نيويورك بفعلكم!.
https://telegram.me/buratha