لستَ مجبوراً للإجابة على كل سؤلٍ يُطرح عليك، فإذا كنت تجهل الجواب فيلزمك ان تقول لا اعرف. كذلك، لستَ ملزماً في ان تخوض في كل موضوع يناقشه آخرون أمامك، في جلسةٍ او على مواقع التواصل الاجتماعي او ما أشبه، فإذا كنت لا تعرف شيئا عنه فيلزمك ان تصمت وتتخذ موقف الاصغاء فقط.
انّ السكوتَ جوابٌ في مثل هذه الحالات، بل انه ابلغ جواب.
ان الذي يحاول دائماً ان يُبيّن للآخرين أنّه عبقري يفهم في كل شيء وانه مطّلع على كل شيء وانه حاضر الجواب على كلِّ سؤالٍ يمكن ان يطرحه عليه الآخرون، انما يهين نفسه اولا قبل ان يهين الآخرين، لان الذي يحترم نفسه لا يحشرها في كل موضوع، ولا يجيب او حتى يحاول ان يجيب على كلّ سؤال، أبداً، فالعاقل هو الذي لا يورّط نفسه فيما لا يفهم فيه، وهو الذي يقول لا ادري او لا اعرف اذا سُئِلَ عن شيء لا يعرفه.
في وصيّته الى ولده الامام الحسن السبط المجتبى عليه السلام يقول الامام امير المؤمنين عليه السلام {وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ} فأنْ يُقالَ لك جاهلٌ افضل من ان يُقال لك أحمقٌ او على قول العبارة الدارجة (حشري) وهو الذي يحشُر نفسه في كل شيء، فالجهل له دواءٌ وهو التعلّم، اما الحُمق فليس له دواء أبداً، ولذلك نُقِل عن نبي الله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا وآله آلاف التحية والسلام انه قال {داويتُ المرضى فشفَيتهم بِإِذْنِ الله، وإبرأتُ الأكْمَه والأبرصَ باذن الله، وعالجتُ الموتى بِإِذْنِ الله فأحييتَهم باذن الله، وعالجتُ الاحمق فلم اقدر على اصلاِحه} ولقد ورد عن امير المؤمنين (ع) قوله {تُعرف حماقةُ الرّجل في ثلاث؛ في كلامه فيما لا يعنيه، وجوابه عما لا يُسئل عنه، وتهوّره في الامور} ولقد أوصى الامام علي بن الحسين زين العائدين السجاد (ع) ابنه الامام محمد الباقر عليه السلام بقوله {إيّاك يا بُني أن تصاحبَ الأحمَقَ أو تُخالطه، واهجره ولا تُجادله فإنّ الأحمق هجنة عينٍ غائباً كان أو حاضراً، إن تكلّم فضحه حُمقه، وإن سكت قصُر به عيّه، وإن عمِل أفسدْ، وإن استرعى أضاع، لا علمُه من نفسه يُغنيه، ولا عِلْمُ غيرهِ ينفعهُ، ولا يطيعُ ناصحَه، ولا يستريح مقارنه، تودّ أمه ثكلته وامرأته أنها فقدته، وجاره بُعد داره، وجليسَه الوحدة من مجالسته، إن كان أصغر من في المجلس أعيى من فوقه، وإن كان أكبرهُم أفسدَ مَنْ دونه} فالاحمق، اذن، يضيّع المعرفة على الناس عندما يتصدى للحديث او الجواب، فلا هو قادر على ذلك ولا يدع غيره يفعل.
ان العاقل لا يستعجل الجواب ولا يحشر نفسه في كل حديث حتى اذا كان عالماً به عارفاً بفنونه، فما بالك اذا كان جاهلاً بالأمر، سؤالا كان ام موضوعاً؟.
اننا اليوم بأشدّ الحاجة الى ان نتعلم كيف نسكت لنضبط أعصابنا ونسيطر على رغباتنا في الكلام والثرثرة ما استطعنا الى ذلك سبيلا، خاصة اصحاب العمائم الذين يعتبر العوام كلامهم شرعٌ يتعبّدون به، حقاً كان ام باطلاً، فليس كل ما يعرفه المرء ويعلمُه يجب عليه ان يدلي به، أولم يقل امير المؤمنين (ع) {لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ، بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ} وإنما يجب ان ياخد بنظر الاعتبار ما يلي؛
/ الوقت، فقد لا يكون الكلام اليوم مناسباً فلماذا تستعجله؟ لماذا لا تتريث لتقوله غداً مثلا او بعد غدٍ؟.
/ الظرف المكاني فقد لا يكون من المناسب الإدلاء بحديثك في هذا الجمع، او في هذه المجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي، الا انه مناسب في ظرفٍ مكاني اخر، فلماذا تدلي بحديثك في غير محله؟ الم تقل الحكمة [لكل مقام مقال]؟.
/ المتلقّي، فليس كلّ الناس سواسية في الاستيعاب والفهم والإدراك، فبأيّ حقٍ تدلي بحديثك امام من كان من دون ان تنتبه الى المتلقي؟.
/ ولا ننسى هنا طريقة العرض وأسلوب الحديث، فكم من جوابٍ صحيحٍ ضاع بسبب جهل المتكلم بأسلوب عرضه للمتلقّي، وكم من فكرةٍ سليمة ضاعت بسبب جهل صاحبها في طريقة تقديمها للمتلقي.
انّ كلمةً ليس في محلها، زماناً او مكاناً او متلقي، قد تُفسد عقول الناس وربما تتسبب في انحرافهم او على الأقل تزرع الشك والريبة في نفوسهم، والعكس هو الصحيح، فكلمةٌ او جوابٌ في محلّه قد يقود الى زرع العلم والمعرفة في نفوسِ شعبٍ كاملٍ ومجتمعٍ برمّته.
وصدق امير المؤمنين (ع) الذي قال {الْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، فَإذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ، فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ، فَرُبَّ كَلِمَة سَلَبَتْ نِعْمَةً وَجَلَبَتْ نِقْمَةً}.
ولشدّ ما يستغرب المرء أحياناً من جرأة البعض في الحديث عن كل شيء، فتراه مثلا يتخبط في كلامه ظناً منه انه سيضيّع الفكرة على المتلقي فلا ينتبه الى جهله، او تراه يصرخ في وجه المتلقي في محاولة منه لإرهابه وارعابه وبالتالي لاقناعه بكلامه رغماً عنه، هكذا هو يظن، او تراه يكذب او يَتقوّل او يستشهد بالمجهول هرباً من الورطة التي أوقع نفسه فيها في محاولة منه لاستغفال المتلقي او ربما استحماره، ناسياً انه هو الحمار والأحمق المستغفل {وَلَكِن لَّا يَعْلَمُونَ}.
لقد ابتُلينا بأناسٍ يدلون بآرائهم في كل شيء وهم لا يفهمون شيئاً، ويبادرون للجواب على كل سؤال وهم لا يتقنون شيئاً، اذا جرى الحديث في علوم القرآن فهم عباقرته، واذا جرى الحديث في علم الفضاء فهم روّاده، واذا جرى الحديث في الشعائر الحسينيّة وأمثالها فهو الفقيه الذي لا يُشقُّ له غبار اذ له الحقّ المطلق في تحريم وتحليل ما يرغب فيه وما لا يرغب، ولشدّ ما اضحكني ان (شيوعياً) سمعته يجادل في حلية وحرمة الشعائر واصل الحجاب وما اذا كان ديناً او عادة وموروثاً شعبياً واخيراً يمتدح منع الخليفة الثاني للمُتعتين اللّتين أحلّهما رسول الله (ص) باعترافه! تخيّل! كان علينا ان ناخذَ ديننا من هؤلاء فغفلنا!!.
ارى لو انّ كلّ متحدّثٍ يتذكّر انْ يحترمَ نفسه قبل ان يدلي بشيء، اوليس ذلك افضل لَهُ ولنا؟ فليس كلّ منْ قرأَ تعلّم، وليس كلّ من تعلّم فهِم، وليس كلّ من فهِم عَلِم والله تعالى يقول {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
ان ادعاء العلم او ما يسمى بالجهل المركب الذي دفع بالعصابات التكفيرية الإرهابية لتفسير القران الكريم بما تهوى انفُسهم، هو الذي أنتج كل هذا الارهاب الأعمى الذي غذّته فتاوى التكفير والكراهية التي يستصدرها بلاط نظام القبيلة الفاسد من فقهاء التكفير ووعاظ السلاطين حسب الحاجة والطلب، فلقد استرخصوا الفتوى فباتت على لسانِ صبيانهم يطلقونها بأبخس الاثمان.
https://telegram.me/buratha