عندما اتيت الى النجف قبل عشرين عاما تقريبا كانت المرجعية الدينية تمر باوضاع غير طبيعية ؛خصوصا مع حرص النظام على التدخل في امور الحوزة العلمية بحجم اكبر من المسموح به . وقد كانت المرجعية الدينية في ذلك الوقت تعاني من تدخل الدولة كثيرا ومن ذلك مع وقع مع المرجع الاعلى في مسجد الخضراء من فوضى مفتعلة تسببت بمنع السيد من اقامة صلاة الجماعة خوفا على حياته من الغوغاء والفوضوين وكان المرجع قد اختار البقاء بعيدا عن الانظار حتى يفوت الفرصة على ازلام النظام وجواسيسه...
وفي احد الايام وبينما انا واقف في نهاية شارع الرسول قرب مكتبة دار الاندلس للدجيلي اقلب النظر بين عناوين الكتب ابحث عن بعض العناوين واذا بي ارى المسافة التي امام المكتبة باتجاه المرقد المطهر قد فرغت من المارة وبينما وجهت بالنظر الى الجهة المقابلة واذا بالمرجع الاعلى يمشي وحده باتجاه نهاية الشارع في الساعة الثانية بعد الظهر ...
وقد كنت سمعت ان المرجع يحق له ان يذهب الى الزيارة في احد الايام في هذا الوقت وكان الطقس حارا وليس مع السيد احد سوى رجل عجوز يمشي خلفة بمسافة ولا يعرف الارتباط بين الاثنين الا من يعرف ارتباط هذا العجوز بالسيد وفي هذالوقت كنت انظر الى السيد وهو يسير منفردا بكل معنى الكلمة فقد كان يشق طريقه دون ان يقترب منه احد من المارة فقلت في نفسي هذا مرجع الطائفة وهو في اقرب مسافة مني ...
وبينما هو يقترب من المكان الذي اقف فيه كنت افكر هل من الممكن ان يكون المرجع مراقبا في هذه اللحظات من قبل رجال الامن وهل علي ان اقترب منه واغتنم هذه الفرصة التي قد لا تتكرر مرة اخرى ...
وفي اللحظة التي كنت افكر في الاثار السلبية للاقتراب من السيد وهو ماض في طريقه لزياره جده شعرت بان هذه الفرصة لن تتكرر ابدا وان هذه الوضعية ربما لا تتاح لي مرة اخرى خصوصا وانا جئت النجف متخفيا لا ابوح بما لدي من تاريخ مع النظام السابق وكلما مر الوقت قد يتعرف علي بعض الاشخاص من رجال الامن الذين ينحدرون من مدينة النجف وقد رايت بعضهم فعلا في بعض ازقة النجف .
ولكن كل هذه الهواجس لم تمنع من اتخاذ القرار النهائي فقد وقفت في وسط الطريق سادا الطريق على المرجع وتقدمت باتجاهه والناس تنظر الي واوقفته بكل ترحيب وامسكت يده وقبلتها وكان السيد مندهشا من اصراري على ان اتحدث اليه في الشارع وقلت له سيدنا انا اريد ان اسالك الدعاء فبادر كعادته الى رفع يده بالدعاء وكنت اشعر انني بهذا اشعره باننا هنا لن نهتم لرجال السلطة المحدقين به في كل لحظة ...
وقد نظرت الى الرجل الذي خلف السيد عندما اوقفت السيد قد وقف على نفس المسافة ولم يتقدم بانتظار ان اترك يده السيد واسمح للمرجع بالمرور الا انني لم اقف عند هذا الحد حتى انتهى السيد من اكمال الدعاء ...
وقد كنت اسكن مع احد الاخوة وعندما اخبرته باني قد فعلت ذلك تعجب وقال لي كيف تخاطر بهذه الطريقة فان حركات المرجع الاعلى والحوزة عموما مراقبة من قبل ازلام النظام فقلت له مازحا انا كنت مستعد ان اوقف السيد حتى لو كان محاطا برجال الامن فكيف وهو يسير وحده دون مرافق سوى عجوز يمشي خلفه وعلى بعد ثلاثة امتار تقريبا ولا يمكن لعاقل ان يفوت ايقاف السيد في هذا المكان وقرب مرقد الامام ليساله الدعاء من دون تكلف ولا تحضير مسبق ....
كما اني اخبرته ان اللقاء في الشارع كان له طعم مميز لانه لقاء عفوي وتحت انظار السلطة الغاشمة وهذه هي اللذة الحقيقية في هذا اللقاء ...
https://telegram.me/buratha