ليس جديداً على العراقيّين التضحية من أجلِ إقامة واحياء وديمومة شعائر سيد الشهداء الامام الحسين بن علي السبط عليهم السلام، وما نراه اليوم في مسيرة الاربعين المليونية من مظهرٍ عظيمٍ في البذل والعطاء والتضحية والصبر والخدمة لم تشهد البشرية مثله أبداً، ليس بالمجّان وإنّما سبقته تضحيات وتضحيات شاء الله تعالى ان تكونَ سبباً لديمومة الشعائر الحسينيّة عموماً ومسيرة الاربعين بشكل خاص، قدّمها علماء وفقهاء ومراجع وكسبة وتجار وطلبة وأكاديميين، رجالاً ونساءاً، كبارا وصغاراً، استشهدوا من اجل حماية ذكرى الامام الشهيد من الاندثار والطمس وشعائره من النسيان.
لقد ضحّى العراقيون، على مرّ التاريخ، بالغالي والنفيس من اجل ان لا يُمحى ذكرُ الحسين (ع) حتى خلّد تضحياتهم خادم أهل البيت (ع) الشاعر والرادود الحسيني المشهور المرحوم الشيخ ياسين الرميثي (رحمهُ الله) في قصيدته الرائعة التي أضحت اليوم نشيد الولاء لكل عراقي، والتي يقول فيها؛
يا حسين بضمايِرنا صحنَه بيك آمنّه
لا صيحة عواطِف هاي لا دعوة ومجرَّد راي
هاذي من مبادِئنا صِحنا بيك آمنّه
لماذا؟ لان حبّ الحسين (ع) والولاء لَهُ يسري فيهم كما يسري الدم في عروقهم، حتى قال الشاعر؛
لو فتَّشوا قلبي رأَوا وّسطهُ
سطرين قد خُطّا بلا كاتبِ
العدْلُ والتوحيدُ في جانبٍ
وحبُّ آلِ الْبَيْتِ في جانبِ
فلا زال هناك طاغوتٌ يحارب الحسين (ع) هناك عراقي يضحّي من اجل الحسين (ع) وليس اكثر من الطاغية الذليل صدام حسين حارب الحسين (ع) ولذلك كانت تضحياتُ العراقيّين في عهده الاسود في القمة، منذُ ان اعلن حربه الشعواء على الحسين (ع) وشعائره عام جهاراً نهاراً.
فعندما قمع الطاغية انتفاضة العراقيّين عام اثر هزيمته في الكويت بعد فعلته السوداء والمخزية، دخلت دبابات جيشه (الظّافر) الى مدينة الحسين (ع) كربلاء المقدسة وقد كتب عليها شعار (لا شيعةَ بعدَ اليوم) في إشارة منه الى سعيه الحثيث للقضاء على الحسين (ع) وذكراه وشعائره.
ثم وقف المجنون المعتوه الأهبل نسيب الطاغية حسين كامل بين الحرمين الشريفين للحسين (ع) وأخيه ابا الفضل العباس (ع) ليتّصل بسيّده الطاغية الذليل يزفُّ اليه بشرى (النصر) مخاطباً ايّاهُ (سيّدي..انا الان واقفٌ بين الصّنمين وأُكلّمُك) وما ان أنهى مكالمته الهاتفية حتى وجه كلامه الى الحسين (ع) قائلا؛ أنتَ اسمُك حُسين وانا اسمي حُسين، ولنرى مَنْ سينتَصِر على مَنْ؟.
وبجردة حساب للاسباب التي يتذرع بها الطغاة في حربهم على الحسين (ع) وشعائره، نظام الطاغية نموذجاً، فسنرى انّ القائمة تشمل الذرائع والدوافع التالية:
أولاً؛ لانها ضِدّ الحضارة والمدنية، فهي مظهر من مظاهر التخلف والرّجعيّة.
ثانياً؛ انها ليست أصيلة ولا هي وطنية وإنّما هي مُستوردَة.
ثالثاً؛ انها تُثير الطّائفيّة وتزرع الفُرقة بين أبناء البلد الواحد.
رابعاً؛ انها تكلّف ميزانيّة الدولة أموالاً طائلة. كما انّها تهدرُ طاقات الشعب وتضيّع وقته وتؤثّر على الانتاج.
اعرف جيداً تفاهة هذه الحجج، واعرف جيداً ان الرّدود تزاحمت الان في ذهن كل عراقي، ومع ذلك اسمحوا لي ان أشارك في الردّ عليها كونها علل (خالدة) خلود الحسين (ع) وثورته وشعائِره، يردّدها ويجترّها الطغاة في كل حين، وأحياناً نسمعها ممن يدعي انتماءه للحسين (ع) من الجهلة او المهزومين نفسياً ممن يعيشون عُقدة الحقارة والصَّغار امام بهرجة الحضارة الغربية.
ولانّنا أشرنا الى نظام الطاغية الذليل كنموذج للسّلطات الظالمة التي حاربت الحسين (ع) وشعائره بمثل هذه الحجج التافهة، تعالوا، اذن، نمرّ على واقعه وبعجالة لنكتشف كذبه ودجله في الحرب على الحسين (ع).
أولاً؛ انه من اسوء الأنظمة تخلُّفاً عن الحضارة والمدنيّة، والاّ بالله عليكم؛ هل سمعتم بنظام مدني وحضاري يرشُّ شعبه بالسلاح الكيمياوي؟ ليَفني مدينة بكاملها اسمها حلبة؟ او يدفن شعبه احياءَ في مقابِر جماعية؟ لم يفرّق بين كبيرٍ وصغيرٍ ولا بين إمرأة ورجل؟ حتى الرّضيع دفنهُ حياً وزجاجة الحليب في فمِهِ إِذْ لم يُكمل رضاعه، والطفلة مع لعبتها المفضلة؟ او يذيب شعبه بأحواض التيزاب؟ او يحرق () قرية برمشة عين؟.
فمن المتخلّف إذنْ؟.
ثانياً؛ اذا حقّ لكلّ أنظمة الدُّنيا ان تتحدّث عن الاصالة والوطنية، فليس من حق نظام الطاغية الذّليل الحديث عن ذلك أبداً، لان كل شيء فيه مستَورد، بدءاً من مؤسس حزبه (ميشيل عفلق) ومنظّره (الياس فرح) مروراً بشعاره الذي يعتمد مبدأ القومية المستورد من الغرب بشكل مشوّه والاشتراكية المستوردة من الشرق.
لقد استورد نظام الطاغية كل شيء من الخارج، حتى أدوات التعذيب التي كان يستخدمها ضد الشعب في السجون والمعتقلات استوردها لنا من ألمانيا.
فمن الوطني والأصيل اذن؟.
ثالثاً؛ انه من اسوء الأنظمة السياسية الطائفية التي حكمت العراق في العصر الحديث، فلقد كتب خال الحزب (خير الله طلفاح) يقول (ثلاثة كان على الله أن لايخلقهم: الشيعة واليهود والذباب).
ومن اجل ان لا نُتّهم بالطائفية أُحيلُ القارئ الكريم الى مذكّرات قادة الحزب والنظام من الذين كتبوا عن طائفية حزبهم ونظامهم وكذلك عن طائفية الطاغية الذليل.
انّه واحدٌ من اسوأ الأنظمة الشّموليّة الاستبداديّة البوليسيّة الذي وظّف شعار (فرّقْ تَسُدْ) ليُحكم قبضته على البلاد والعباد، فمزّق وحدة المجتمع وفتّت نسيجه بسياسات طائفية وعنصرية بغيضة، لازلنا ندفع ثمنها لحد الان.
اما الشّعائر الحسينية فلقد كانت ولا تزال احد اهم وأعظم اسباب وعوامل وحدة العراقيين، من الشيعة والسنة والعرب والكرد والتركمان والشبك والمسيحيين والايزيدين والصابئة واليهود عندما كانوا في العراق، وكل مكونات المجتمع العراقي، وها هي مسيرة الاربعين المليونية شاهدٌ على هذه الحقيقة.
فمنْ الطّائفي اذنْ؟.
رابعاً؛ كما انه من اسوء الأنظمة السياسية التي اهدرتْ أموال العراق وخيراته وطاقاته وبناه التحتيّة، فلقد كلفت حروبه العبثية العراق اكثر من () مليون شاب قتيل وضعف العدد من المعوّقين، و () مليار دولار، وقضت على سيادته لأكثر من ربع قرن من الزمن، ورهنت خيراته، البترول تحديداً، ودمّرت زراعته وصناعته وبيئته، كما سبّبت للعراقيين الأمراض المُزمنة والخطيرة، فضلاً عن انها دمّرت التعليم بكل مراحله، وكادت ان تقضي حتى على ثقافة العراقيين وأخلاقهم وقيمهم لولا شعائر الحسين (ع).
لقد ظلّ الطاغية ينفق () من ميزانية الدولة على السلاح والأمن والمخابرات والسجون وأدوات التعذيب، ليسلّم البلاد، اخيراً، محتلّة من قبل من ظلّ يدعي انه في مواجهتها قرابة () عاماً، الولايات المتحدة الأميركية!!!.
فمن الذي يهدر المال العام وطاقات الشعب ويدمّر الانتاج اذنْ؟.
هذه الالماعات السريعة التي أوردناها على نظام الطاغية الذليل، اذا طبّقناها على كلّ من يحارب الحسين (ع) وشعائره فسنجد انها صادقة مصدّقة بلا نقاش، فهي تنطبق عليهم حذو النّعلِ بالنّعلِ والقذّة بالقذّة كما يقولون.
فهل أزيد؟.
https://telegram.me/buratha