ان المقصد الاستراتيجي، الإنساني والديني والوطني، الذي تتمحور حوله الفتوى عند الفقيه العادل هو تحقيق (السلم الأهلي) الذي اساسه احترام خصوصيات [الانسان ـ الفرد] و [الإنسان ـ الجماعة] والذي يُنتج التعايش الذي ينتج التعاون على الخير والعمل الصالح، بما يحقن الدم ويصون الارض والعرض.
انه مقصد يحقّق أقصى درجات احترام حقوق الانسان وعلى رأسها الحرية وأوّلها حرية الدين والعقيدة والراي، ولذلك؛ فبينما يبذل الفقيه العادل أقصى جهده المعرفي من اجل استنباط الحكم والفتوى التي تحقق هذا المقصد، نرى وعّاظ السلاطين وفقهاء البلاط والمتفيقهين وعلى راسهم فقهاء التكفير والكراهية والذبح والقتل، يبحثون في المتشابهات لاثارة الفتن التي يصفها القران الكريم بقوله {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}.
الفقيه العادل لا يخوض في المتشابهات، لانه لا يبغي الفتنة في المجتمع، انما يستنبط كل ما يساعد في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والسعادة في المجتمع، اما الفقيه المنحرف فلا يبحث الا في المتشابهات، لانه يسعى دائماً لاثارة الفتنة في المجتمع خدمة للسلطان الظالم، ولهذه الحقيقة أشار القران الكريم بقوله {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.
انهم يعانون مرضا نفسياً مزمناً ترسَّخ وتكلّس في قلوبهم، ولذلك لا يفتوا للحب ولا يفتوا للحياة ولا يفتوا للاحترام ولا يفتوا للوئام ولا يفتوا للسلم الأهلي ولا يفتوا للجمال، انما يفتون للموت والقتل والذبح واغتصاب الحرائر، ولو تركت الامة الامر الى الرّاسخين في العلم من الفقهاء العدول وضربت بفتاوى فقهاء التكفير عرض الحائط، لما وصل حالنا اليوم الى ما وصل اليه من اقتتال وذبح وسبي للحرائر وغارات على ممتلكات الناس الأبرياء واموالهم، فاي دين هذا الذي (يشرعن) جرائم الارهابيين ضد اهلنا في الموصل مثلا، خاصة المستضعفين منهم كالمسيحيين والايزيدين والشبك والتركمان وغيرهم؟ اي دين هذا الذي يُشرعن نشر الرعب والخوف في المجتمع؟ كما يفعل اليوم الارهابيون من خلال نشر صور الذبح وحز الرقاب وتعليق الجثث في الساحات العامة والتمثيل بها؟.
ان فقهاء التكفير يلجأون الى كل ما هو متشابه من آيات الله تعالى وسنّة رسوله الكريم (ص) من اجل استنباط كل ما يثير الفرقة والفتنة ويقضي على لحمة المجتمع الواحد وتعايشه وانسجامه، ولعل من ابرز مصاديق فتنِهم اليوم هو ما ينشرونه من فتاوى سخيفة بشأن أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة، وهي فتاوى يعمدون الى نشرها كل عام في مثل هذه الايام {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ}.
اما الفقيه العادل، واقصد به المرجع الديني الاعلى الامام السيستاني، فقد استنبط الأحكام والفتاوى التالية من آية محكمة واحدة، ليُثبّت أسس السلم الأهلي المبني على الاحترام المتبادل والتعايش واحترام الخصوصية، الاية التي تقول {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
ففي معرض أجوبته على الأسئلة التالية، أسس المرجع الاعلى مرة اخرى للسلم الأهلي كقيمة أساسية لا يجوز التنازل عنها، كما لا يحق لاحدٍ ابداً ان يتعرّض لها بالتجاوز والعدوان وباي شكلٍ من الأشكال.
وما احوجنا اليوم الى ان نؤسّس لهذه الثقافة ونتبنّاها، اذ لا يمكننا ان نحقق السّلم الأهلي الا بها فقط، فهي التي تشيع المحبة في نفوس الناس تجاه بعضهم، وهي التي تشيع الاحترام المتبادل الذي يخلق حالة التعايش المطلوبة اليوم وفي كل يوم.
ولأهمية ما ورد في ردود المرجع الاعلى، ارتأيت ان أضمّنها هنا لتعميم الفائدة.
السؤال: هل يجوز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم كعيد رأس السنة؟.
الجواب: يجوز تهنئة الكتابيين من يهود ومسيحيين وغيرهم، وكذلك غير الكتابيين من الكفار، بالمناسبات التي يحتفلون بها أمثال؛ عيد رأس السنة الميلادية وعيد ميلاد السيد المسيح (ع) وعيد الفصح.
السؤال: هل يجوز تبادل الودِّ والمحبة مع غير المسلم إذا كان جاراً أو شريكاً في عمل أو ماشابه؟.
الجواب: إذا لم يكن يُظهر المعاداة للاسلام والمسلمين بقول أو فعل فلا بأس بالقيام بما يقتضيه الودّ والمحبة من البر والإحسان اليه، قال تعالى {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
السؤال: هل يجوز السير في موكب جنازة غير مسلم لتشييعهِ إذا كان جاراً مثلا؟.
الجواب: إذا لم يكن هو ولا أصحاب الجنازة معروفين بمعاداتهم للإسلام والمسلمين، فلا بأس بالمشاركة في تشييعه، ولكن الأفضل المشي خلف الجنازة لا أمامها.
السؤال: هل يجوز التصدق على الكفّار الفقراء كتابيين كانوا أو غير كتابيين؟ وهل يُثاب المتصدِّق على فعله هذا؟.
الجواب: لا بأس بالتصدق على من لم ينصب العداوة للحق وأهله، ويُثاب المتصدِّق على فعله ذلك.
https://telegram.me/buratha