تتزاحم الأمنيات في ذهن المرء مع بداية كل عام جديد، الشخصيّة منها والعامّة، ولم يشذّ ذهني عن هذه القاعدة، فلقد تزاحمت الأمنيات فيه حد الخصام، كلّ تريد القفز على اخواتها لتتصدّر القائمة، فآثرت ان اكتب في اليوم الاول من العام الجديد عن حقّين وأمنية واحدة فقط لا غير.
فامّا الحقّان، فهما؛ حق الحياة، وحق الحرية، وهما، بكلّ تاكيد، ليست اماني، لأنهما مخلوقان خلفهما الله تعالى فليس من حقّ أحدٍ كائناً من كان ان يسلبهما من أحدٍ أبداً.
ولقد استرخصناهما للاسف الشديد، فما اروع ان نعيدهما الى مكانتهما، غاليان، نصونهما ولا نسمح لاحدٍ ان يسلبهما من أحدٍ ابداً، كما لا نسمح لاحد ان يعتدي عليهما.
تعالوا في العام الجديد نحرّم الاعتداء على حياة الناس، فنحرّم القتل والذبح ونمنع السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة التي تحصد ارواح الأبرياء ظلماً وعدواناً.
تعالوا في العام الجديد نمنع من انتشار الجريمة بكلّ اشكالها، ونمتنع من تداول او نشر صور وافلام القتل والذبح وحز الرؤوس والجثث المتناثرة والمتطايرة، لنقف بوجه ظاهرة انتشار الرعب والخوف في نفوس النشء الجديد.
تعالوا نفضح الفكر التكفيري الذي يحلّل الدم المسفوح ظلماً وعدواناً.
تعالوا في العام الجديد نواجه كل من يعتدي على حريات الآخرين بكل حزم وصلابة، فلا نسمح لاحدٍ ان يعتدي على الحرية الدينية وعلى حرية الفكر والتعبير والاختيار، وحرية المعتقد والعقيدة، فالحرية خَلقُ الله تعالى الذي لا يحق لكائن ان يعتدي عليه وبأية حجج كانت.
ان قيمة المرء بحريته، وان الله تعالى يقضي بين العباد يوم القيامة باختياراتهم، وليس بما يُفرض عليهم او يُغصبون عليه، فلولا انه تعالى خلقهم وجعل لهم الحرية، وعلى راسها حريّة الدين والعقيدة وحرية الاختيار، لما حاسبهم يوم القيامة، لان الحساب للحر وليس للعبد، ولذلك فانه تعالى اسقط الكثير جداً من الواجبات عن عبده المريض مثلا والأسير والعبد والمجنون والمغمى عليه وكثيرون غيرهم.
تعالوا في العام الجديد نتعاون على خلق البيئة الاجتماعية المناسبة ليعبر كل عن رايه، ويختار بارادته، بلا فرض او اكراه، خاصة النشء الجديد، تعالوا نساعده للتعبير عن نفسه وعما يتطلع اليه، فلا نقمعه اذا قال رأياً ولا نضربه اذا لم نفهم قصده، ولا نهدده اذا فكر بطريقة اخرى.
لا اريد ان اشعر بالخوف وانا أهمّ بكتابة رأي، ولا اريد ان ارسم خطوطاً حمراء وهميّة وانا أهمّ بالتعبير عن رايي، ولا اريد ان يقف عند عقلي شرطياً يأمرني بِما يجب وما لا يجب ان افكّر فيه واكتبه او اتحدث فيه وعنه.
لا اريد ان يُسفك دمٌ بسبب راي او معتقد او مقال او كلام، فلنتعاون جميعاً من اجل عامٍ جديدٍ خالٍ من الفكر الإرهابي والارهاب الفكري.
اما الأمنية الوحيدة التي اتمنى ان تتحقّق في هذا العام، في بلدي العراق على وجه التحديد، فهي ان تتهيّأ الفرصة والظرف لنؤسّس لمبدأ (الرّجل المناسب في المكان المناسب) فبهذه القاعدة نقضي على الفساد المالي والاداري، ونتجاوز الفشل، كما سنقضي بها على المحاصصة والطائفية والعنصرية وعلى الكثير من الأمراض الاجتماعية والسياسية التي ابتلينا بها خلال العقود الطويلة، خاصّة منذ سقوط الصّنم في التاسع من نيسان عام ولحد الان.
ان هذه القاعدة الانسانية والدينية والمنطقية والعقلائية تحرض على الالتزام بالميزان القرآني الذهبي الذي يقول {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} فهي حجر الزاوية في بناء الدولة المدنية التي تتجاوز المعايير الفاسدة، فمن أشياء الناس الخبرة والمعرفة والتجربة والنجاحات والمهنية والعلمية، فاذا اعتمدناها كمعايير في بناء الدولة فسنتجاوز على كل اسباب الفساد، ولذلك ربطت الاية بين بخس الناس أشياءهم وبين الفساد في الارض، لانّ تجاوز المعايير السليمة هو اوّل أسس الفساد.
مشكلتنا في العراق اننا لا نحترم الكفاءة ولا نعير اهمية للناجحين وخاصة المتميزين، ولا ننتبه لأهل الخبرة، فاذا اردنا ان نستوزر دُرنا بالمرشح على الوزارات حتى نجد له واحدة تنسجم ومقاساته، وليس العكس كما يفعل العقلاء، ولذلك ترى المرشح عندنا يمكن او يستوزَر في عدّة وزارات متتالية واحيانا في آنٍ واحد وأحياناً في وزارات متناقضة، فوزير الدفاع عندنا، مثلاً، يمكن ان يكون وزيراً للثقافة في ذات الوقت!.
اما المسؤول الفاشل فقد نحرّكه كرقعة الشطرنج من مكان لآخر بكلّ سهولة، المهم ان يبقى مسؤولاً!.
ولقد استفسرت مرة عن سبب نقل سفيرٍ فاشل من دولة لأخرى، وهم يعرفون انه فاشلٌ، فكان الجواب؛ لا نريد ان نكسر خاطره!!! فأجبت؛ حتى اذا كان ذلك على حساب خاطر العراق؟!.
الّلهم حقّق النصر المؤزّر للعراق على يد قواتنا المسلحة الباسلة، وانزل شآبيب رحمتك على العراق وعلى أهل العراق، وسهّل عودة النازحين الى ديارهم، وارحم شهداءنا ومنّ على جرحانا ومرضانا بالصحة والعافية، آمّين يا رب العالمين.
وكلُّ عامٍ والعراق بخير، وكلُّ عامٍ والعراقيين بخير.
https://telegram.me/buratha