هذه المرّة تعامل الزعماء العراقيون الشيعة بعقلانيّة اكبر من الزعماء السنة والكرد مع بروتوكول تقديم التعازي لنظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية بهلاك طاغيتهم، فبينما اكتفى الزعماء الشيعة بالموقع الرسمي لتمثيلهم في الوفد العراقي، لم يتعامل الزعماء السنة والكرد بنفس الطريقة، فجاء تمثيلهم في الوفد اقرب الى التمثيل الحزبي منه الى التمثيل الرسمي.
ان سلاح الدبلوماسية هو الهيية، فاذا سقطت سقط كلّ شيء، ولذلك تسعى دول العالم الى ان تُظهر هيبتها بأروع اشكالها في المحافل الدولية والمناسبات الرسمية، الا العراق الجديد الذي لازال يتعامل مع الدبلوماسية وكأنها فرصة لإظهار الانقسامات الدينية والمذهبية والإثنية، ولذلك فالدبلوماسية العراقية اضرت كثيراً بهيبة الدولة، وآخرها تشكيلة الوفد العراقي المعزّي، فبالله عليكم هل رأيتم انّ رئيسي سلطتين سياديّتين في دولة ما يشكلان وفداً واحداً؟ وأنهما يصطحبان نوابهما معهما في جوقة عجيبة لا مثيل لها؟.
لماذا لا ياخذ هؤلاء هيبة الدولة وكرامة الشعب ووقار مؤسساته في الحسبان في مثل هذه المحافل؟ الى متى يتصرّفون كالمراهقين يتقاتلون على التّمثيل الديبلوماسي كما يتقاتلون على السلطة كما يتقاتلون على اي شيء اخر؟ متى سيتعلمون؟ على الأقل ليحترموا هيبتهم ومكانتهم، اذا لم يكن البلد يعني عندهم شيئاً!.
ان سياسات مثل التقارب وإذابة الثليج في العلاقات السياسية بين الأطراف وإبداء حسن النوايا وفتح صفحة جديدة واستغلال الفرص لتحسين او توطيد العلاقات مع هذا الطرف او ذاك، وما الى ذلك من هذه المصطلحات الممجوجة والتافهة التي يتحجّج بها الجماعة كلما أرادوا تبرير إراقتهم لماء وجه العراق في مثل هذه المحافل، لا تتحقّق بحجم الوفد الزائر او تنوع تركيبته او هويته أعضاءه، وإنما بالهيبة اولا وقبل كل شيء، فهل يتصوّر الوفد العراقي ان نظام القبيلة سيحترمه ويهابه اكثر من احترامه ومهابته للوفد الإيراني مثلا، بسبب ضخامة عدد أعضائه او حجم تمثيله وعناوين أعضائه، وبساطة تركيبة الاخير؟ ابداً، فانا شخصياً ارى في الوفد الثاني هيبة الدولة فيما لا ارى في الثاني الا إسفافها وابتذالها الدبلوماسي.
كان يكفي ان يحضر السيد رئيس الجمهورية مثلاً، افلا يمثل العراق؟ فلماذا كل هذا التهالك في التمثيل؟ متى سنتعلم كيف نحترم هيبة البلاد؟ متى سنستحضر الهيبة والكرامة والوقار كلما فكّر وفدٌ حضورَ محفلٍ ما؟ خاصة اذا كان هذا المحفل تافهاً لا يعني شيئاً بالنسبة للعراق تحديداً، اوليس بسببه اريقت دماء الأبرياء وتم تدمير البلاد؟.
ولقد فعل خيراً السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي عندما حضر لوحده على رأس وفد رفيع المستوى اجتماعات دول التحالف الدولي الاخيرة في العاصمة البريطانية لندن، فوجود الوفد مثّل كل العراق بلا شك، وبذلك أعطى للدولة هيبتها في مثل هذا المحفل الدولي الهام، ما ينتزع احترام الاخرين للعراق انتزاعاً.
يجب ان يتعلم الزعماء المبدأ السياسي والدبلوماسي القائل؛ بان حجم الوفود ونوعية تمثيلها يعتمد على العلاقة مع الطرف الاخر ومدى حجم المصالح المتبادلة ومتانة او هشاشة العلاقة وصدق او عدم صدق الاخر، فالدبلوماسية لا تُقاس بالكيلو او بالأمتار، والا فهي الذِّلَّة بعينها.
وصدق أميرُ المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي قال: زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.
https://telegram.me/buratha