" لا يمكن المراهنة على استعادة التوازن المجتمعي والمؤسساتي العراقي إذا لم نلتفت، بقوة وجرأة، الى ذلك الداء المميت الذي رافق تطورات الأحداث التاريخية والاجتماعية والفكرية في العراق، وهو تعاظم روح التطرف القومي والحزبي والديني والمذهبي، بل وحتى المناطقي، مع كل مرحلة جديدة من مراحل العنف في العراق.
هذا الداء الذي نتج عن سياسات عسكرة المجتمع وهدمه وتمزيقه من قبل المستبدين وكياناتهم الحاكمة لديمومة سلطتهم السياسية، يجعل ً من المستحيل علينا التفكير بتأسيس تعايش سلمي مشترك إذا لم نفلح اولا في اقتلاع التطرف من جذوره. وضمان تعويضه بروح الاعتدال والوسطية التي غابت، مرغمة، ولوقت طويل، عن تفاصيل الاحداث في العراق.
قد يكون من المناسب التفكير هنا، بأن ذلك يتطلب العودة الى البيئة الام التي تغذي روح الانسان وعقله البكر بالصور الاولى للتطرف والتشدد بشتى مساراته وأشكاله، سواء في المنزل، أم المدرسة، أم الحواضن المجتمعية مثل الشارع والمنطقة والقرية، وغيرها من الحواضن التي تضفي على أفكار التشدد صيغة جمعية تشاركية، وصوال للمساحة الزمنية ً التي تترسخ فيها غالبا، أفكار التطرف والتشدد، وهي مرحلة التحول من المراهقة الى النضج التام، وهذا المقطع الزمني الحرج، يقع في مجمله ضمن فترة الدراسة الجامعية التي نعتقد إن المناهج الدراسية التي تدرس ً فيها تعاني من مشكلة حقيقة غذت الى حد ما ثقافة تحمل في طياتها نسبا من التطرف وتثير األحقاد وتلغي الاخر، وهو ما يحتاج الى معالجة حقيقية ووقفة جادة لا تكتفي عند حدود الكلام والتمني، بل لابد أن ترافقها إجراءات عملية يساهم فيها الجميع ."
هذا و اسطر كثيرة و صفحات متعددة اخرى من الكلام المعسول هو مقتبس من كتاب " مناهج الدراسات الانسانية " لكاتبه وزير التعليم العالي السابق (علي الاديب ) يتكلم فيه عن رؤيته لمشروع مراجعة مفردات مناهج الدراسات الانسانية في الجامعات العراقية . و كما قال معاليه لمعالجة هذا الداء لا يمكن الاكتفاء عند حدود الكلام و التمني بل لابد ان يرافقه اجراء عملي و من هذه الاجراءات العملية هو قرار استثناء طلبة العلوم الانسانية من الزمالات الحكومية تحت ذريعة الاكتفاء الذاتي و عدم الحاجة الى مزيد منهم !
لا اريد التطرق الى موضوع اهمية العلوم الانسانية و الاستناد الى اراء المفكرين حول التنمية البشرية و التي هي من اهم الركائز للتنمية السياسية ثم الاقتصادية في البلدان المتقدمة و الحاجة الملحة الى بناء الفرد اولا ثم المجتمع للمضي في مسيرة التقدم لكوني متاكد بأن معالي الوزير ايضا تكلم عن هذه الافكار في كتابه هذا او باقي كتبه لكن ما اريد ان اكتب عنه هو الازدواجية بين ما يطرح و يعلق كشعار و بين ما يتم على ارض الواقع !
كيف يمكن فهم هذا القرار المجحف بحق طلاب العلوم الانسانية الصادر من الوزير السابق و هو الذي يتكلم عن اهمية هذه الاختصاصات و لزوم مراجعة مناهجها و تحديثها ؟
و هل تعلم عزيزي القارئ بان نسبة الزمالات الحكومية لدراسات العلوم الانسانية في البلدان المتقدمة اكثر بكثير من باقي الاختصاصات كالهندسة و الطبية ؟ لكن مسلسل الضحك على الذقون لا ينتهي هنا اذ علمنا ان معالي الوزير السابق و استنادا الى عشرات الكتب الموجودة في دائرة البعثات و الملحقيات الثقافية العراقية قام باستثناء بعض الطلبة من هذا القرار ! لنتسائل بدورنا كيف يعقل بان شخص عاقل و بالغ ينقض قراره بنفسه ؟
في الاخير اتمنى من وزير التعليم الحالي قراءة كتاب الوزير السابق للوقوف على اهمية العلوم الانسانية ثم نقض هذا القرار المجحف !
https://telegram.me/buratha