في البدء ينبغي أن نسلم أن الإنسان اجتماعي بالطبع ومن أهم ما يحتاجه لتأكيد اجتماعيته وارتباطه بأفراد جنسه هو الاتصال، وقد كانت اللغة أهم ما ابتكره الإنسان لتلبية حاجته تلك، فبها أصبح الاتصال سهلاً ونقل الأفكار والمشاعر والأحاسيس ميسوراً، وهو ما مهد لتطور الجنس البشري وارتقائه في سلم الحضارة، حتى وصلنا في نهايات القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين إلى عالم ليس أشبه بالقرية كما كانوا يعبرون، بل أصبح العالم في "حجرة" بفضل الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي.
إن ذلك يحتم على المؤسسات الإعلامية أن تتحرى الدقة وأن لا تشط ولا تتخبط ولا تهبط إلى مرحلة الإسفاف في نقل المعلومة ؛ أما بسبب نقص المعلومات، وهو ما لا يسوغ خطأ أي قناة إعلامية في الوقت الحاضر، أو بسبب الأجندة السياسية أو الاقتصادية "الممولون" مما يفقدها شرف المهنة التي سنت ؛ من أجلها تشريعات أممية، فقد اعتمدت الجمعية الأمم المتحدة منذ العام 1946 حرية التعبير وتداول المعلومات حقا أساسياً من حقوق الإنسان على وفق قرارها المرقم(59)الذي أعلنت فيه : (إن حرية تداول المعلومات حق من حقوق الإنسان الأساسية وهي المعيار الذي تكرس الأمم المتحدة جهودها له، وان احد العناصر التي لا غنى عنها في حرية الإعلام هو توفر الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعمالها، أن إحدى قواعدها الأساسية هي الالتزام الأدبي بتقصي الوقائع دون تعرض وبنشر المعلومات دون سوء قصد) وهو للأسف ما وقعت فيه وسيلة إعلامية عريقة بتغطيتها الأحداث سواء في العراق أو سوريا أو اليمن وهي الـــ(bbc) العربية ، فقد أساءت هذه القناة الإعلامية كثيراً لسمعتها فقد كنا نجد فيها الحيادية والدقة في نقل المعلومة وعدم الاصطفاف الطائفي أما الآن فالمشهد وحده يعرب عن نفسه.
لكن مما يهون الخطب علينا هو أن كادر القناة بنسختها العربية لا يمكن إلا أن يكون "ذا مزاج عربي" بدوي الاتجاه حانق على ما عداه لا سيما إذا كان ما عداه قومياً أو طائفياً أو اقتصادياً "الممولون" فقد شاهدت هذه الأيام الأخيرة في تغطية أحداث تحرير محافظة صلاح الدين العراقية تخبطاً وعدم موضوعية في نقل الخبر بل أكثر من ذلك أصبحت هذه القناة تغدو كأنها طرفاً في الصراع، بل أكثر وأكثر من ذلك، فقد اقتربت كثيراً من أسلوب قناة "الجزيرة" التهريجي الذي ملؤه الإسفاف والتزييف، فهي أي الـــ(bbc) العربية لا تتورع ــ مثلاً ـــ عن نشر صور ومقاطع فيديو "مُنتِجَت" وأخرجت في مختبرات "داعش" للإنتاج والإخراج التلفزيوني والفوتوغرافي والفوتوشوب، وبثت في مواقع التواصل الاجتماعي " الفيس بوك واليوتيوب" ومن ثم تدعي أنها مثلاً لقوات عراقية سواء كانت للجيش العراقي أو الحشد الشعبي قامت بحرق منازل مواطنين من تكريت أو قرية "البوعجيل" وهي أعمال كما تعبر القناة انتقامية ذات بعد طائفي،
ولم تكلف القناة نفسها ولا مراسلها المصري الذي يجوب في تكريت وبقية مناطق صلاح الدين لم تكلفه رصد الحقيقة وإجراء تحقيق صحفي رصين كأن يلتقي بالأطراف كافة التي توجد على أرض الصراع، ابتداءً من أعضاء مجلس محافظة صلاح الدين والسيد المحافظ الذين هم في القواطع الأمامية من المعركة أو أعضاء مجلس النواب الممثلين للمحافظة وهم بالطبع من المكون السني المحترم، أو أن تلتقي بالقيادات العسكرية العليا الذي ينتمي كثير منهم للسنة كوزير الدفاع وقادة الفرق والألوية؛ حتى تكون الحقيقة ناصعة لا نقص ولا زيادة فيها، ولا تخدم مشروع "داعش" الإرهابي والسياسيين الداعشيين الذين لا يعيشون إلا على الأزمات السياسية بلون طائفي، والذين يريدون اليوم أن يفسدوا علينا فرحة تحرير جزء من وطننا العزيز، كما فعلوها الأمس في ديالى، والله مخزي عمل المفسدين والمرجفين الذين يصنعون الشائعات، ويا قناتنا الموقرة نقول لك كما قال الشاعر الجاهلي قبل ألف خمسمائة سنة تقرباً
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار ما لم تزود
وحينها يدرك المشاهد العربي حجم عملية التزييف والتدليس التي تقوم بها القنوات الفضائية لخدمة الأجندات المختلفة التي ليس منها طبعاً خدمة الحقيقة!
https://telegram.me/buratha