كانت مهمّة التأسيس لمؤسّسة قياديّة حقيقيّة تجتمع تحت مظلّتها كلّ فصائل حركة المعارضة العراقية، تخطّط وتنفّذ، مهمّة صعبة جداً يعدّها البعض شبه مستحيلة، وذلك لعدّة اسباب؛
اولاً؛ التناقضات والخلافات الحادّة والعميقة بين هذه الفصائل، سواء داخل التيار الواحد [الاسلامي والكردي والقومي والديمقراطي (الليبرالي)] او بين الفصائل في التيّار الواحد. لقد كانت خلافاتها تتوزع على المستويات التالية؛
الف؛ الولاءات السياسيّة للدول المظيِّفة، فمثلاً، بينما كان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة السيد جلال طالباني، يميل بولاءاته الى ايران، كان الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود بارزاني، يميل اكثر الى تركيا، وبينما كانت الفصائل الاسلامية تميل الى طهران (الشيعية) والرياض (السنيّة) كانت القوميّة منها واليسارية الى دمشق، وهكذا.
باء؛ الرؤية والاهداف، فبينما كان التيار الاسلامي يرفع شعار (الاسلامية) لنظام الحكم المستقبلي، كان القوميون ينادون بالقومية، وهكذا.
وللآن اتذكر، مثلاً، كيف انّ هذه التيارات بذلت وقتاً طويلا جداً، تحاورُ وتناورُ، تجاوز الايام والأسابيع، بسبب الخلاف على ادراج البسملة في البيان الختامي لاحد اجتماعاتها!، فبينما كان الاسلاميّون يصرّون على ان يبدأ البيان بالبسملة، كان الشيوعيون يرفضون ذلك رفضاً قاطعاً، لدرجةٍ انّهم كانوا يهدّدون بالانسحاب اذا وردت البسملة!.
جيم؛ التمثيل وحجمه، فبينما كان التيار الاسلامي يصر على ان تكون له الحصة الأكبر في ايّة مؤسّسة قياديّة، يصرّ آخرون على ان يكون التمثيل متساوياً، وهكذا.
دال؛ وفوق كلّ هذا، كانت مختلف التيارات تعيش أزمة ثقة فيما بينها بسبب الصراع على النفوذ وصراع الإرادات، والذي كان قد أفشلَ العديد من التجارب الوحدويّة السّابقة، واذا كان هذا الصراع يكتفي ببعده السياسي فقط، فانّه تجاوز السياسة الى السلاح، كما هو الحال بين الحزبين الكرديّين الكبيرين( الپارتي واليكتي) وكذلك بين (اليكتي والحركة الاسلامية في كردستان بزعامة المرحوم الملا علي عبد العزيز) وغيرها، والذي تمدّد ليتحوّل الى صراعات عسكريّة كانت نتائجها المزيد من الدماء والارواح والاسرى!.
ثانياً؛ التناقضات حدّ التقاطع بين القوى الإقليمية الثلاث المعنيّة بالدرجة الأساس في الملف العراقي (ايران وسوريا والسعودية) فبينما تعتبر طهران ودمشق أنفسهما حواضن طبيعية وتاريخية لحركة المعارضة العراقية، لما قدّماه من دعم وتأييد بكلّ اشكاله لمختلف فصائلها، كانتا ترفضان ان يكون للرياض دور يعتدُّ به، حدّ الاستحواذ، في اي مجهود بهذا الصدد، لانّها ظلّت تدعم نظام الطاغية الى آخر لحظة، كما انها لم تكن على علاقة، ومن اي نوع مع المعارضة، والعكس هو الصحيح، فلقد كان موقفها معادياً جداً لها، فهي تتحمّل مسؤولية الدماء الطاهرة والارواح البريئة التي وُئدت في المقابر الجماعية بعد قمع النظام للانتفاضة الشعبانية الباسلة.
لقد حاولت الرياض الاستحواذ على اي مجهود بهذا الصدد بأموالها، وأتذكر مرّة ان مسؤولاً سورياً بارزاً عبّر عن رفض دمشق وطهران لمثل هذا الامر، بالقول؛ يكفينا من الرياض أموالها، اما رايها فلتحتفظ به لنفسها، لسنا بحاجة اليه!.
ثالثاً؛ الشكوك وانعدام الثقة بين جلّ تيارات حركة المعارضة والمجتمع الدولي الذي دخل على خط الأزمة العراقية بشكل مباشر وواسع بسبب سياسات نظام الطاغية الذليل صدام حسين الحمقاء وعنتريّاته وبهلوانيّاته. وسط هذه المعاناة والمخاطر والعُقد المتعدّدة الأشكال والمستعصية، فانّ تحمّل مسؤولية التأسيس للمؤسسة القيادية كان أشبه بالانتحار السياسي.
ولقد كان السيد محمد بحر العلوم من اكثر الشخصيّات في حركة المعارضة العراقية القادرة على التصدّي لمسؤولية مثل هذا التاسيس لاعتبارات عديدة لعلّ من ابرزها؛
١/ كونهُ شخصيّة مستقلّة، لا يحسبها احدٌ من المعنيين بالملف العراقي، سواء من تيارات حركة المعارضة او القوى الإقليمية والدولية، على ايٍّ من التيارات الآنفة الذكر.
٢/ كونهُ ذات تاريخ جهادي طويل جداً يفوق الاخرين، وقد كان اكبرُهم سناً، وأوسعهم خبرةً، ومن انظفهم يداً وولاءً.
٣/ كونهُ سليل أسرة عريقة هي محط احترام كل العراقيين بلا استثناء.
٤/ كونهُ على علاقة حسنة مع القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف العراقي.
٥/ وتحديداً، كونهُ ليس جزءاً من الفصائل المحسوبة على الجمهورية الاسلامية في ايران، وهي الفصائل التي كانت تتحسّس كثيراً من ايِّ دورٍ للولايات المتحدة الأميركية في الملف العراقي لاعتبارات عديدة، كما ان الاخيرة كانت تتحسّس منها لنفس الاعتبارات، وأكثر!.
...وبدأت الاستعدادات!
يتبع
https://telegram.me/buratha