عندما اتَّهمت امرأةُ العزيزِ يوسُفَ بالخيانةِ بقولها لسيّدها {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} لم يكُن يوسُف يمتلك أدوات الدّفاع عن نَّفسهِ، بل لم يكُن يمتَلك حتّى حقّ الدّفاع عن النّفس، الا انّه كان يمتلك إيمانهُ بالله تعالى مالك السّماوات والأرض، وكان يمتلك الثقة العالية بالنّفس، وبالتزامه واستقامتهِ.
امّا امرأةُ العزيز، فقد كانت تمتلك كلّ شيء لتوريطه والباسهِ التّهمة المزيّفة، فلقد كانت تمتلك الحصانة بكل اشكالها، وهو عارٍ عن ايِّ واحدٍ منها.
كانت سيّدة القصر، تأمُر فتُطاع، تتّهم زوراً وكذِباً وبهتاناً فيصدّقها الكلّ، من دونِ انْ يجرؤ احدٌ على الّتشكيك فيما تدّعي، او ان يطلبَ منها احدٌ دليلا ،فجوقة المطبّلين والمزمّرين وحشد الابواق المأجورة جاهزة لإحضار الأدلّة والإثباتات، بالتزوير والقُسامات، لا فرق، اذا استدعى الامر ذلك.
امّا يوسُف فقد كان عبدًا مملوك {شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}.
كانت من أَهْلِ مصر ومن علّية القوم وسيّدات المجتمع، وكان هو غريباً عن البلاد، لا يعرف فيها أحدٌ.
كانت ذا قوّة وسطْوة ومال، وَكَانَ ضعيفاً مُستضعفاً لا يملك قوتَ يومِهِ.
كانت تمتلك الدّين (القانون) والدّنيا، وهو لا يمتلكُ لا ديناً ولا دُنياً.
لكلّ ذلك، نجحت امرأةُ العزيز في تنفيذ كلّ ما خَطّطَت لَهُ في ذهنِها المريض، بالتُّهمةِ اولاً وبالسّجن والعذابِ ثانياً {إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
امّا يوسُف عليه السلام، فما كان مِنْهُ الّا ان يصبرَ ويصبرَ ويصبرَ، فيختار العذاب على الاستسلام {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ} {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} حتّى {حَصْحَصَ الْحَقُّ} وظهر كلّ شيء على حقيقته، اذا بامرأة العزيز تنهار امامَ الحقيقة واذا بيوسُف يملك مصر بالحقيقة.
هذه هي سنّة الحياة وفطرة الله تعالى في خلقه، فعندما لا يمتلك صاحب الحقّ الواثق من نّفسه صُلبَ الإيمان، الّا الصّبر بانتظار أن تتكشف الحقائق لكلّ ذي عينين، عندها يكون ناصره الله تعالى الذي قال في آيتين عظيمَتَين؛ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وقوله عزّ مَنْ قائل {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}
على العكسِ من صاحب الحقِّ، أصحابُ الباطلِ، الذين يمتلكون كلّ شيء يساعدهُم على قلب الحقائق وطمسَها وتضليل الرّاي العام عندما {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} سواءً بالفتوى (الدّينية) الطّائفيّة واموال البترودولار الحرام والاعلام الطّائفي والعنصري الّذي تنعق فيه ابواقهُ ليل نهار، لكنه لم يمتلك اهم شيء في كل هذا وهو اهم عوامل تحقيق النصر، الا وهو الإيمان بالله تعالى من خلال امتلاك الحقيقة.
لذلك ينتصر يوسُف وتنهزم زُليخا.
فعندما تشكّل الحشد الشّعبي المقاوم تلبيةً لفتوى الجهاد الكفائي التي اصدرتها المرجعية الدينية العُليا، لإيقاف الانهيار الذي كاد ان يأتي على العراق، حَشَّدَ الطّائفيّون والمنافقون والعنصريّون والمهزومون والحاقدون كلّ ما يملِكون من قوة في المال والاعلام والفتوى لتسقيطهِ وتشويههِ وطردهِ من ساحة المعركة!.
لم يمتلك الحشد وقتها الّا إيمانهُ بالله تعالى وتعبّدهُ بفتوى الجهاد وثقتهُ بنفسه {وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَة فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ، وَلاَ مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ!} على حدّ قول امير المؤمنين (ع) وهو المهم.
لقد امتلكَ أَلْحَشْدُ الحقيقة، ولم يمتلك أعداءهُ الا الباطل وكل أدواته.
صبرَ أَلْحَشْدُ وتمادى أعداءه، فجاءت النّهاية لصالحه، اذا بكلّ الاهالي في المناطق (السُّنّيّة) المُغتصبة التي تقاتل الارهاب الان، يعتبونَ ويلومونَ (قادتهم) امام عدسات الكاميرا؛ بقولهم [لِمَ لَمْ تبعثوا لنا الحشدَ الشَّعبي؟]!.
اماّ في اليمن، فالصّورةُ مقلوبةٌ جملةً وتفصيلاً. فعندما شنَّ نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربيّة عدوانهُ على شعب اليمن الحضاري والصابر والمجاهد، وقفَ العالمُ الى جانبه، يبرّر له عدوانه، ولا ينبس ببنت شَفةٍ على جرائمه البشعة التي يندى لها جبين الانسانيّة. حشّد نظام القبيلة كلّ قواه الماليّة و (الدّينية) والإعلاميّة لإسكات الأصوات وقتلِ الضّمائر وقطع الالسن، فلم يعد احدٌ في العالم ينتقد عدوانهُ او حتى يذكره بصفاتهِ الحقيقيّة.
لقد امتلكَ نِظامُ القَبيلَةِ كلّ شيء يمكّنهُ من السيطرة على الاعلام والحركة الدبلوماسيّة في (شرم الشيخ) وفي (نيويورك) وفي كل عواصم الغرب المنافق، الا انّهُ لم يمتلك أهمّ وأعظم شيء، الحقيقة، ولذلك لاحت اليوم علاماتُ الهزيمةِ واضحةً، فمنظّمات حقوق الانسان وهيئات الاغاثة العالمية بدأت تتحّدث عن جرائمه الوحشيّة في اليمن، فيما بدأ يسمعُ كلاماً من اسياده في واشنطن وغيرها بأَنّ الحلَّ للازمة اليمنيّة لا يُمكن انجازه بالقوّة والعدوان، وانّما بالسّياسة.
وانّ بعض المنظّمات والهيئات الدّولية بدأت تبحث في إمكانية اعتبار عدوانهِ على اليمن جرائمَ حربٍ وابادة وجرائمَ ضدَّ الانسانيّة.
أَلْحَشْدُ الشَّعْبيُّ ينتصرُ، اذن، ونظامُ القَبيلَةِ ينهزم. صورةُ الأولِ بدأت تتّضح للرّاي العام كما هي، ناصعةُ البياضِ لا يشوبُها شيء، امّا صورةُ الثّاني، فقد فضحتها الحقائق التي رسم معالمها صبر اليمنيّين وصمودَهم الذي استند الى ركنٍ شديدٍ، الا وهو الايمانُ بالله والّثقة بالنفس.
يوسُفُ ينتصرُ، اذن، وزُليْخا تنهزمُ.
https://telegram.me/buratha