منذ ان انهارت اسعار النفط في الربع الاخير من عام 2014 والاسعار في تذبذب شديد.. ترتفع وتنخفض وسط مضاربات واسعة وارتباك شديد ليس فقط في الاسواق النفطية، وترقبات الشركات النفطية وغير النفطية، بل في البورصات المختلفة والنشاطات الاقتصادية المختلفة وموازنات الدول، مما يؤثر كله على خطط الاستثمار وسياسات الاستلاف. فهناك احساس في الاقتصاد العالمي اننا نعيش ازمة.. وان اسعار النفط لها علاقة بذلك.. فهي نتيجة وليس سبباً.. فالاعتماد على الطاقة شيء اساس اليوم، لذلك ان تتجه الانظار وفي كل يوم الى اسعار النفط ومعدلات ارتفاعه او هبوطه، فانها ترى من خلالها صحة الاقتصاد العالمي او مرضه.
لاشك ان ازدياد العرض على الطلب هو سبب اساس لانخفاض اسعار النفط.. خصوصاً وان "اوبك" تنتج 32 مليون برميل/يوم، وهذا اكثر من المعدلات التي اعلنتها.. كما ان دخول المزيد من النفط الامريكي الذي يبلغ اليوم 9.5 مليون برميل/يوم، وكذلك السعودي والعراقي وترقبات دخول النفط الايراني بعد رفع العقوبات، اضافة للاسباب الاخرى الاقتصادية تؤثر كلها في انخفاض الاسعار. لكن اسعار النفط، وحتى مع هذا الفائض من العرض، له سعر طبيعي لابد ان يدور حوله.. فالنفط سلعة حقيقية تقاس ايضاً بقيمتها الحقيقية وببدائلها.. ولا يمكن له ان يغادر سعره الطبيعي الذي تقرره العوامل الاقتصادية متكاثقة وليس عوامل المضاربة فقط.
وفي رأينا ان بقاء اسعار نفط برنت دون الخمسين دولاراً/برميل هذه الايام، بل وصولها قبل ذلك الى ما دون الـ45 سببه امران اساسيان، دون اغفال العوامل الاخرى.
اولهما انخفاض معدلات النمو في الصين اكثر من المتوقع سابقاً.. وان الصين تسعى لتشجيع صادراتها ولتحفيز نشاطاتها الداخلية والخارجية ولاعادة معدلات النمو التي تتجاوز الـ7% سنوياً.. ونعتقد انه حالما يتحقق هذا الانطلاق، فان ضغطاً كبيراً سيتشكل لدفع اسعار النفط للارتفاع اكثر من معدلاته الحالية، علماً ان الصين تعتبر اليوم الاقتصاد الثاني عالمياً، وثاني مستهلك للنفط (10.6 مليون برميل/يوم، مقابل 5 مليون برميل/يوم في 2002)، وهي التي استهلكت كمتوسط 40% خلال الاعوام 2000-2014 من الزيادات العالمية للنفط. فالاقتصاد الصيني، بات جزءاً اساسياً ومؤثراً في الاقتصاد العالمي.. يتأثر ويؤثر في حركته وتقدمه او تراجعه.
اما العامل الثاني فيرتبط بمعدلات انتاج النفط الامريكي ومعدلات الفائدة.. فتراجع عدد الحفارات في النفط الصخري لاكثر من 29 اسبوعاً متتالياً منذ بداية العام وخروج 679 حفارة من الانتاج، قاد في حينها لارتفاع الاسعار الى اكثر من 60 دولاراً/برميل، (بدل الـ 45 دولار/برميل في بداية العام). مقابل ذلك قاومت شركات النفط الصخري خسائرها، بسبب استمرار دعم البنوك لانخفاض معدلات الفائدة الامريكية. لذلك اعادت تلك الشركات بعض الحفارات للانتاج باعداد قليلة خلال الاسابيع الستة الماضية.. وبزيادة واحدة خلال الاسبوع الماضي فان عدد الحفارات التي خرجت بسبب انخفاض الاسعار يبلغ اليوم 675 حفارة من مجموع 1606 حفارة عندما كان الانتاج في اوج نشاطاته، فكان هذا عاملاً مساعداً لانخفاض الاسعار خلال الاسابيع الماضية لتهبط الى الاربعينات.
يتبع البنك الفيدرالي الامريكي منذ 6 سنوات اسعار الفائدة الواطئة (2-4%)، كاجراء اتخذه بعد ازمة 2009 لتوفير السيولة والاموال السهلة لتحريك النشاطات وتجاوز ظروف الازمة. لذلك يترقب كثيرون عودتها لمعدلاتها الطبيعية، بسبب مؤشرات لارتفاع معدلات التضخم، وكدليل على استقرار الاوضاع. مما سيطمئن الاسواق ان الامور تعود لطبيعتها، ليس بسبب اجراءات استثنائية، بل بسبب مقومات طبيعية توحي بالاطمئنان، الذي هو الاساس لتحفيز الاستثمارات الكبيرة وانطلاق الاقتصاديات المختلفة.
لذلك يجب انتظار، ان كان البنك الفيدرالي الامريكي سيستمر على سياسته ام سيغيرها، وهو امر يتوقع اعلانه في منتصف شهر ايلول الحالي. وسنرى عندها ان اسعار النفط ستنحو ايضاً نحو الاستقرار النسبي، او ستستمر التذبذات الشديدة.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha