لاشك ان الكلام عن الاصلاحات والسعي للتحرك نحوها هو ظاهرة ايجابية وتحتاجها البلاد.. ولاشك ان السيد رئيس الوزراء يبذل جهوداً شجاعة ومضنية لشق الطريق نحو الاصلاح، لكن ما لاشك فيه ايضاً ان هذه المسائل ليست شخصية ولا تعتمد على حسن النوايا فقط، فللاصلاح بوصلة تؤشر الطريق الصحيح لينأى المرء بنفسه عن الطريق الخاطىء. وعليه يجب عند اتخاذ القرارات التركيز على الامور المؤسساتية اكثر من الامور الشخصية، وعلى الحلول النوعية والحقيقية وليس الشكلية فقط.
ففي ملف الفساد ينحو العمل للتركيز على فساد الاشخاص، وهو امر مهم، مع اهتمام اقل بجوهر الفساد الذي هو طريقة عمل مؤسسات الدولة والاجراءات الفاشلة والفوضى والتعقيدات الكثيرة التي تراكمت طوال عقود من الزمن، والترهل الكبير الذي اصاب الدولة.. والتي هي السبب الاساس للفساد الاكبر والهدر الاعظم للاموال والفرص.
وفي ملف تقليل النفقات ومحاربة البطالة وتوفير الخدمات وانطلاق الاقتصاد فان الامر اشد تعقيداً ويتطلب خطوات اصلاحية جذرية وجريئة. هناك بعض الاجراءات السريعة لاغراض نفسية ومعنوية يسعى فيها المسؤول اعطاء اشارات انه جاد في الاصلاحات. لكن هذه بسيطة وغير كافية.. فالاصلاح في تقليل النفقات ومحاربة البطالة وتوفير الخدمات وانطلاق الاقتصاد يتطلب سياسات جسورة مدروسة وحاسمة على مواقع التعطيل والكبح، من سياسات وعقليات وممارسات. فاصلاح سياسات الدعم وجعلها من المخارج وليس من الاصول.. ومحاصرة احتكار الدولة.. وتوقف ترهلها وكونها المصدر الوحيد للعمالة، لا يتم الا برفع المعوقات والحواجز عن الاقتصاد الاهلي، اي القطاع الخاص والاستثمارات. فهو الوحيد القادر على رفع الضغط عن نفقات الدولة.. وهو الوحيد القادر على ادخال النشاط والحيوية الى الاقتصاد بمجمله، سواء اكان في القطاع العام او الخاص. فجوهر الفساد والعجز عن تقديم الخدمات المطلوبة وارتفاع النفقات وازدياد اعداد العاطلين عن العمل سببه خروج الاقتصاد الاهلي من معادلة الاقتصاد الوطني.. واحتكار الدولة لمجمل النشاطات الاقتصادية. بل ان تطور الاستبداد السياسي والفساد العام وتعطل التقدم، هو في جوهره الاحتكار الاقتصادي ومسك مفاصل المجتمع والحياة بكل مرتكزاتها.
فاذا كان ما نقوله صحيحاً، وهو الامر الذي برهنت عليه التجربة التاريخية، فان تقويم اية خطوة تتخذ في اطار سياسات الاصلاح المطروحة، واية لجنة تشكل، واي امر يصدر، واية تغييرات تحصل لابد من قياسه ببوصلة الاقتصاد الاهلي، ومدى خدمة هذه الخطوات لهذا الهدف ومدى قدرتها على تحرير الدولة من اعباء ومسؤوليات عاجزة عن تحقيقها بالتفرد والاحتكار وكبح ما عداها بطرق مباشرة وغير مباشرة.. بخلافه ان اشارت البوصلة الى تعزيز ذات العوامل وتكرار نفس السياسات والاحتفاظ بنفس القوانين والتعليمات التي قادتنا الى النتائج التي نحن عليها، فمعنى ذلك اننا ندور في حلقة مفرغة. لذلك علينا ان نبرهن اننا نتعلم الدروس من التجارب الماضية.. ولا نستغل، لحظات التأزم والحساسيات العالية، او عواطف الناس لنعيد ونكرر التجارب الخاطئة التي مررنا بها وللسير بعناد ضد الاتجاه الصحيح للبوصلة.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha