ضياء المحسن
في خطبتها العصماء في مجس يزيد (عليه اللعنة) تقول فخر المخدرات زينب ( عليها السلام) ((كد كيدك واسعى سعيك و ناصب جهدك فو... لن تمحو ذكرنا و ﻻ تميت وحينا))، والقسم هنا عظيم يخرج من فاه بنت أبيها، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبعد ما يزيد على ألف عام من واقعة الطف نجد مصداق هذه الخطبة، فها هي الملايين تزحف الى مدينة كربلاء، لتجدد العهد لسيد الشهداء الحسين (عليه السلام) بأن ذكركم لن يمحى و وحيكم نستنشق عبقه من الأرض التي ضمت رفاتكم وروتها دماؤكم.
بحسب الإحصائيات غير الرسمية فإن عدد زوار الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) هذا العام تجاوز الخمسة والعشرين مليون زائر، منهم ما يقرب المليون من دول أجنبية وعربية، وثلاثة ملايين زائر إيراني، والبقية عراقيين من مختلف محافظات العراق.
خلفت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) للعالم، دروسا في كل ميادين الحياة، جعلتنا نأخذ منها العِبر في كيفية مقارعة الظلم والظالمين، وبدمه الطاهر حافظ على الدين المحمدي من أن يحرفه عن مساراته الصحيحة، آل أمية الملعونين على لسان رب العالمين ورسوله الأمين.
ليس هناك مجال للمقارنة والمفاضلة فيما اريد التحدث به، فمن أين أبدأ وأين سأنتهي، لكن ليعذرني القارئ لأني سأتحدث عن مائدة العراق الأربعينية، فهنا يتوقف الزمن والممكن، فكل شيء خارج حدود المألوف، فهذا قاطع النجف ـ كربلاء، وذا قاطع الحلة ـ كربلاء، ولا بد أنك تسمع عن قاطع المسيب ـ كربلاء، عدا عن المسافات الطويلة التي يمر بها الزوار من كل حدب وصوب، من محافظات كركوك وديالى وبغداد والعمارة والبصرة والناصرية، والزوار الأجانب الذين يأتون مشيا من خارج العراق.
لقد نسيت إخوتنا من الأديان الأخرى، الذين يشاركون في المسير الى أبي الأحرار (عليه السلام) لتجديد عهد الوفاء له، بأن يكونوا أحرارا في دنياهم، وكيف أنسى الإخوة من المذهب السني، هؤلاء الذين يقول فيهم الإمام السيستاني (ادم ظله) ((أنفسنا)).
في الطريق ماذا تجد؟ سؤال لن يجيب عليه حتى من رأه، لأنه خارج عن المألوف قطعا وبدون شك، فعلى طول الطريق المؤدي الى كربلاء، تجد من يحاول أن يغسل لك ملابسك، وأن يقوم بتجهيز الحمام لك لتغتسل من تعب الطريق، ومضافات للنوم، حتى انك ترى من يتوسل بك للإقامة هذه الليلة في بيته كرامة (للحسين).
وبعد، ملايين الوجبات، مليارات من عبوات المياه المعبأة، ملايين من أرغفة الخبز الحار، والسمك المشوي والدجاج والكباب، والفواكه، ملايين من ساعات العمل التي يقدم فيها خدم الإمام للزائرين الخدمة بدون تعب أو ملل، هذا شعب من سنغ شعوب الأرض؟ قطعا لا، هم ملائكة!
الملفت للنظر أن تجد من يتوسل بك ليمسح لك حذائك، تبركا بالتراب العالق فيه من جراء مشيك في طريقك للإمام الحسين، أما الأطفال فلابد أنهم ليسوا كأطفال العالم، فأما أنك تجد طفلا يتوسل بك لأخذ علبة من المياه المعدنية، أو فاكهة، وإذا لم يجد شيئا، تراه يمسك بقنية من العطر الفواح ليرش عليك منه.
المشكلة أنه لو حدث زحام في مدينة من مدن العالم لفترة من الوقت لسقطت حكومات، لكنك في طريقك الى كربلاء، والشارع مزدحم، تسمع أحدهم يقول: اين الزوار معقولة لا يوجد من يدخل الى موكبي في هذه اللحظة؟
فقراء وأغنياء، كسبة وموظفين تركوا كل شيء وراءهم، فقط ليخدموا زوار الإمام الحسين، من غير أن تتدخل حكومة أو منظمة مجتمع مدني لترتيب عملهم، في قارعة الطريق وهم يعلمون يقينا أن هناك من يهدد حياتهم، من خلال تفخيخ نفسه، أو بصاروخ من مكان بعيد، ومع ذلك لم يدر مثل هذا الخاطر في بالهم، ولم يبالوا له.
نحن شعب نكرم ضيفنا لثلاثة أيام، لكن لأسابيع ونحن نبحث عن المزيد، هذه معجزة إنسانية قل نظيرها.
إنها الأربعينية
https://telegram.me/buratha