المقالات

النجف الأشرف.. الشخصية التي حاولوا طمسها

1442 19:04:18 2016-02-18

تختلف المدن عن بعضها, بشخصية معنوية, تميزها عن بعضها.. ولا يسهل فهم تلك الشخصية, إن لم يتم سكناها لمدة كافية, ومعاشرة أهلها والتعامل معهم, وهضم طبيعتهم وعلاقاتهم الإجتماعية, وتفاصيل حياتهم العامة.

تنفرد النجف الأشرف, بخصائص, يندر أن تجد مثلها في بقية مدن العالم, فسبب تأسيسها ووجودها, كان أختيارها من الإمام علي أبن أبي طالب, عليه وأله أفضل الصلوات, لتكون مرقدا له, ولاحقا لشيعته ومحبيه, ثم إنتقال الشيخ الطوسي, في القرن الخامس الهجري, وتأسيسه للحوزة العلمية, بالإضافة إلى صفات تاريخية وجغرافية كثيرة.

كل ذلك جعلها مدينة علوم دينية وآداب وشعر, ونشاط فكري بمختلف أنواعه, وصار طلبة العلوم الدينية, والأدباء والشعراء, أو من يعمل في التأليف والطباعة ونحوهما, هم الوجه السائد في المجتمع.. وصارت المدينة, مصدرا للعلماء الفطاحل, ومنجما للأدباء والشعراء, وكثرت فيها المجالس الدينية والأدبية, حتى صار المواطن العادي فيها, على مستوى ثقافي قد لا تجده في بقية المدن, وحتى القريبة منها.

هكذا حراك فكري, ينتج وبشكل منطقي, بيوتا تمتاز بعلم ما وتشتهر به.. فصار الناس يسمعون, بأل الحكيم وأل بحر العلوم وأل الصدر, وأل كاشف الغطاء وأل الغريفي, وغيرهم كثير, كبيوتات إشتهرت بتعاطي العلوم الدينية, وبرز منها علماء خلدهم التاريخ لنبوغهم.. وصرنا نسمع بأل الفرطوسي وأل جمال الدين, وغيرهم كثير, كبيوتات تتعاطى الأدب, وغيرهم ممن يتعاطى علوما وآدابا, لا يسع المقام لذكرها.

هذا البروز دفع الأنظمة الحاكمة, وخصوصا الظالمة منها, للتعامل مع المدينة بكل قسوة ودموية, وتكرار المحاولة تلو الأخرى, لسحقها وتدميرها, وطمس هويتها العلمية والأدبية, وخلق شخصية جديدة لها, ونتيجة لما تعرضت له من بطش, والعدد الكبير من الأضاحي الذي قدمته, مالت للإنغلاق على نفسها, وصار مجتمعها أكثر تعقيدا من غيره.

لمن يريد أن يدرس, دور أسرة كأل الحكيم, أو أل الصدر, أو بحر العلوم أو غيرهما, وما قدمته من علوم, وشخصيات فذة كان لها أعظم الأثر, في الإسلام والبشرية, يجب أن يفهم كل ما ذكر, من معطيات وظروف.. لتكون دراسته أقرب للمصداقية, ويجب أن يفهم أيضا, معنى أن تقدم أسرة العشرات من أبنائها, شهداء على يد أنظمة الحكم, كما حصل مثلا مع أسرة أل الحكيم, عندما أعدم عشرات من أبنائها دون ذنب, سوى أنهم طلبة علوم دينية, ولم يرضخ علمائهم لرغبات الطغاة.. وهل يمكن أن يفهم شعور سيدة, أعدم زوجها وكل أبنائها, وأربعة من أحفادها الصغار معهم؟!

هل يمكن أن نتصور شعور طفل, ولد في جو من الرعب والخوف, لأن جيرانه من" السادة" أعتقلهم الجلاوزة, وبقيت جدتهم العجوز وأمهم المرعوبة وطفلتهم الصغيرة؟ أو يمكن أن نفهم إحساس طفل, يخاف الخروج للشارع لأنه يمكن أن يعتقل, وهو لا يعرف ما تعنيه تلك الكلمة؟!

ليس سهلا صدقوني, فمن لم يعش تلك اللحظات المرعبة, لن يفهم أبدا.. لن يفهم, ما عاشته النجف, وكيف تكونت شخصيتها الحالية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك