زيد شحاثة
رغم أن والدي انتقل إلى رحمة ربه, وأنا في أوائل الثلاثينيات من العمر, وهو عمر متقدم نسبيا, وربما أكون قد تجاوزت مرحلة حاجتي المادية له, إلا من نصيحة يقدمها, أو حكمة أتعلمها منه, إلا أني ولغاية هذه اللحظات, لازلت أتذكر الساعات المؤلمة, عندما إنتهت أيام العزاء, وذهب المعزون, والأحبة والأقارب, عندها بقيت وحدي وذكرياتي معه.. كانت تلك أسوء اللحظات.
رغم وجود والدتي أطال ربي عمرها بكل عافية وخير, ولأني كنت الأصغر بين إخوتي, رغم عمري.. وكوني غير متزوج حينها, فقد رعتني بشكل مبالغ فيه, يخفف أي مشاعر حزن, أو وحدة وغربة داخلية, لكن تلك اللحظات.. بقيت محفورة في الذاكرة, خصوصا عندما يجن الليل.. وأه من الليل.
رغم مرور أكثر من خمسة عشر سنة على رحيله, كانت تقفز الذكريات أمامي, مع كل خبرو صورة لشهيد, تنشر هنا أو هناك, في مواقع التواصل الإجتماعي والصحف.
رغم الإهتمام الذي رافق استشهاد المجاهد الكبير السيد صالح البخاتي, وهو نموذج فريد ومتميز, من قادة الحشد الشعبي, وما رافقه من نشر لسيرته الجهادية, وإحتفالات تأبينية, وتمجيد ببطولاته, منذ قتاله ضد نظام الطاغية, والعمل الجهادي في الأهوار, وحتى شهادته مؤخرا.. وما يمكن أن تقدمه, الجهة التي ينتمي إليها, إلى عائلته من دعم, أو راتب تقاعدي لأسرته, لكن عندما تستيقظ أبنته الصغيرة "زينب" ليلا, مرعوبة من كابوس او حلم, ولا تجد أباها جوارها.. هل سيعوضها كل ذلك عن وجود أبيها؟ من سيكون موجودا ان احتاجوا ولي أمرها؟ او يوم تخرجها؟ ماذا عن عرسها؟!
من قال ان الحرب جميلة؟! ومن قال أن الثمن الذي سندفعه ليس باهضا؟! ومن قال ان خسارة رجال مثل السيد البخاتي, وغيره العشرات سهلة؟!
عندما تهدأ الزحمة, ويخف صخب المعارك ويخبو, عندها فقط, سيعرف أبناء وأسر الشهداء, كالسيد البخاتي وأماله, أنهم هم أصحاب النصر الحقيقي, وأنهم وحدهم فقط, من يملكون حق أن يرفعوا رؤوسهم عاليا.
لأنهم هم من دفعوا ثمنه نقدا.
https://telegram.me/buratha