تحدٍ كبير أمام العراقيين في مرحلة تحرير آخر أرض من الدواعش؛ لا يكون بشكل إستعدادات وتهيئة أرضية معركة نفسياً وسياسياً وعسكرياً، وقد يكون الإستعداد اللوجستي العسكري من أسهل القضايا؛ بوجود أبطال تمرسوا الحرب، وكأنها مران على الوطنية، ولكن القلق يأتي من اللذين لا يستوعبون حساسية المرحلة وجسامة الحسابات الضيقة والمواقف الشخصية، التي تفكر بالإستحواذ على الأرض والنفوذ فوق ما يستحقون.
إندحرت داعش وشهد العالم بهزيمتها في العراق؛ رغم كل المشاكل والمعوقات والتحديات، وربما إنحنى عودنا بعض الشيء ولكننا لم نركع.
بين الدولة والوطن والأشخاص علاقات لا يمكن فصلها أحدهما عن بعضها، وبناء الدولة مشروع للوطن وتماسك للمجتمع، وبوجود الوطن تعود الفائدة على الأشخاص عندما تعلو المصلحة العامة على الشخصية، والشروع الى بناء العلاقة؛ بوحدة الهدف وأن إختلفت المسارات، والرؤوية المشتركة لمشروع واحد؛ وإلاّ ستكون النهاية تفكيك تاريخ لا ينحصر بالوطن؛ وإنما بذات الأشخاص حين يشوه تاريخ مشترك بمستقبل متفرق.
أحد أهم أسباب الأخطاء والنكسات؛ أن البعض يفكر بعقلية منفصلة ومكاسب ذاتية، وتَشَعب الإنفصال؛ الى تفصيل الوطن والمجتمع على مقاسات وحسابات ضيقة، وتفاعلت الأحداث والتطورات الى تسارع وتيرة الإنقسام وعمق جدية سكاكين التقسيم والتقطيع، وغابت أو غيبت الأصوات التي تخلق الوعي الجماهيري، وتبعث الطمئنية أمام موجات الإحباط واليأس؛ رغم أنها مسؤولية أخلاقية وشرعية ووطنية، ومن مسؤولية الجميع البحث عن أمل للمستقبل؛ بنقد السلبيات بموضوعية لا تعميميها، وأبراز الإيجابات ومكافئتها بتشجيع فاعليها.
إن العمل بعقلية منفصلة عن الواقع والتاريخ، وتحت تأثيرات المشاريع الفئوية والخطوات والمستعجلة، والإنعطاف مع ردات الفعل؛ لن تؤدي إلاّ مزيد من التشنج والأزمات وتصلب المواقف على فئويتها، ومن يعتقد أنه كسب جولة فذلك على حساب مشروع الدولة ومواطنيها، أو من يُريد إضعاف الجبهة الداخلية فمن المؤكد سيكون لجانب الجبهة الخارجية.
تجربتنا صعبة ومرة وقاسية، وفيها أخطاء عديدة، ولعل أغلبها لم يك مقصود أو بحسابات ضيقة؛ ‘لاّ أنها كلفت العراق كثيراً وكادت أن تصل به الى الإنهيار.
أهم أولويات المرحلة القادمة؛ تأتي برص الصفوف والمواقف، والبحث عن حد أدنى للمشتركات، وتحرير الأرض يحتاج الى وحدة مواقف وأهداف، وبناء الدولة بحاجة الى وحدة مجتمع وتوحيد خطاباته؛ فما فائدة أرض محررة من بطش أعداء؛ أن كانت نفس الأسباب التي أدت الى دخولهم وتدنسيهم أرض الوطن ما تزال قائمة، وأن كانت حربنا من أجل السلام؛ فأن الحرب أهون من بلد يعيش بلا سلام؛ بإنقسام مواقفه وتشرذم أفكار قادته السياسيين، والأرض متحررة لا محال وستكون معركة الموصل بوقت قياسي، وأهون بكثير من تحدي الفلوجة ومراهنة الدواعش، ولكن التحدي على ما بعدها وحساسية المرحلة وطبيعة التعامل مع طبيعة مخلفات الإرهاب، وكيف يمكن التعامل على أساس مصلحة دولة ووطن ومواطن.