زيد شحاثة
من بديهيات الأمور, أن تراجع القضايا الوطنية, خصوصا إن رافقتها مشاكل وأحداث, تستدعي ذلك, أو وجود اكثر من قومية أو مذهب, تعيش ضمن هذا الوطن, وترافق تلك المراجعة, عملية مصالحة, يقوم بها ويديرها, قادة لهم مقبولية, وأثر بين جمهورهم, وبقية الشركاء, ضمن اطار الوطن.
لكن ما معنى مفهوم المصالحة؟
المصالحة بشكل عام، تعني فتح صفحة جديدة, من العلاقة بين من يتصالحون, والتسامح عن الصغائر, والمحاكمة والقصاص العادل في الكبائر, وتعويض من تضرر, ويسبق ذلك, سن قوانين وتشريعات, لمعالجة كل الإشكالات, بعد دراسة وافية, وبفترة محددة.. ويغلق الموضوع.
يضحك على نفسه, من لا يعترف بأن حكم البعث الصدامي, أعتمد على طائفة بعينها, وهمش وأضطهد وبقسوة, بقية الطوائف والمكونات.. وأن الطائفة المقربة, عاشت رعبا، خلال بدايات ما بعد سقوط النظام، خوفا من ردة فعل، تصورتها ستحصل، ممن ذاق عذاب النظام وويلاته.. وبعد التيقن أن شيئا من ذلك لن يحصل, مارس كثير منهم العنف, طلبا لحق الحكم الذي صدقوا تخيلا, أنه وراثة لهم, بحكم تقريبهم من النظام البعثي!
للحديث بشكل صريح، فأن جوهر عملية المصالحة، حصولها بين السنة والشيعة.. فالكرد ليسوا متفاعلين مع الموضوع, لعدم تأثرهم به داخليا, ينتظرون نتائجه ربما, وما يمكن أن تقدمه لهم, من مصالح وفرص, للإستفادة.
قبل هذا لنسأل، ألا توجد حاجة، لحصول مصالحة داخلية، سنية سنية, وشيعية شيعية؟
الشيعة وتصالحهم, قضية حلها أسهل نسبيا, رغم تعقيداتها وتجذر الخلافات, وإختلافات حول الرؤى, لكثير من القضايا العقائدية والسياسية, إلا أن كل الخلافات في حقيقتها, بين قادة وساسة فقط.. صحيح أن جمهور هؤلاء, يتفاعل ويستجيب لتلك الخلافات, وما يرافقها من تهريج وتصعيد, إلا أن هناك جامعا أكثر قربا للجمهور, من ساسته وقادته, وهو المرجعية.. فهي قادرة وبقوة, على حسم أعقد القضايا, والفصل فيها, برغم أنف الساسة, ولنا في فتوى الجهاد الكفائي, خير دليل.
المصالحة السنية داخليا, أصعب كثيرا, فلا مرجعية تجمعهم, وأن وجدت, فليس لها التأثير أو المقبولية, ولو بجزء يسير مما للمرجعية الشيعية, يضاف لذلك الطبيعة العشائرية البدوية السائدة, وعادات قبلية, وقتال وتنافس وثأر, وتنازع على النفوذ, وتقرب من السلطة والنظام الحاكم.. كل ذلك خلق صعوبة حقيقية, في ظهور ممثل للمكون, له ثقل جماهيري, فكيف بحصول مصالحة؟!
نجاح المصالحة بشكل حقيقي, وليس شكليا, او للدعاية الإعلامية يحصل, عندما ينجح السنة كجمهور, في توحيد صفوفهم, وتحديد مصالحهم الحقيقية, واختيار ممثلين لهم, أفضل من ما موجود حاليا, وقبول واقع, أن غيرهم هو الأغلبية, ويتجاوزون قضية أنهم من حكم العراق لثمانين عاما.. وينجح الشيعة في التوحد, حول رؤية معتدلة وسطية, سبق أن أشارت لها المرجعية , وفي أكثر من مناسبة.. رؤيا تضع أليات, لبناء دولة عصرية, تضمن حقوق الجميع, بشكل عادل.
مصالحة الأقوياء, لا مصالحة الضعفاء, هي من ستعطي نتائج, وليس مطلوبا أن يصبح السنة شيعة, أو العكس.. بل تعني أن نحترم بعضنا, ونقبل وجودنا معا, كأمر واقع لن يتغير.
https://telegram.me/buratha