المقالات

عندما يخير الإنسان بين السلة والذلة.


عندما كنت طفلا صغيرا, مقر ولادتي وسكني, في مركز مدينة النجف الأشرف القديمة, حيث مسكن كثير من العوائل الدينية, وكانت منطقتنا قريبة من مرقد الإمام علي أبن أبي طالب, عليه وأله أفضل الصلوات, كانت الشوارع تعج بطلبة العلوم الدينية, فربطتنا بهم صلات الصداقة والنسب أحيانا, بحكم التجاور والمعرفة الحميمية. 

تغير كل ذلك, بعد أن إغتصب البعثيون الحكم في العراق, وصارت الحوزة العلمية وطلبتها, عدوهم الأول, فأستهدفوا بيوتاتها المعروفة بالعلم, كأل الحكيم وأل الصدر وأل بحر العلوم, وأل ياسين وغيرهم كثير.. ولم يسلم منهم حتى البيوتات التي أشتهرت بتعاطي الشعر والأدب فقط. 

بحكم عمري الفتي, لم أكن أستوعب الصورة الكاملة للوضع, لكني كنت ألتقط بعض المفاهيم, وأختزنها في ذاكرتي كأي طفل, وأحتفظ بتساؤلاتي في أعماقي, لما عشناه من رعب في تلك الفترة, حيث نشاهد القتل والتنكيل, والإعتقال, لعوائل بأكملها, لا لذنب سوى أنها عوائل علمائية؟! 

بحكم قرب أل الحكيم, من منطقتنا, ووجود تواصل وعلاقة, كنت وأنا صغير, أسمع عن ما جرى عليهم من تنكيل, وإعتقال لأغلب رجال الأسرة, بل ولبعض أولادهم, ممن كنت ألعب معهم.. ولم أفهم السبب حينها, فهؤلاء صبية, كيف يمكن أن يكونوا معارضين للدولة؟! وما هو تأمرهم؟ وكيف قبِل محمد باقر الحكيم, وكما سمعت حينها أنه "معارض" وهو وصف لم أفهم معناه حينها.. لم أفهم كيف قبل أن يعدم أهله, ويشرد من بقي منهم في البلدان؟! 

كان سؤالا عصي الفهم علي حينها, فلم أعرف أثر تسلط البعث, ولا ما كانوا يخططون له من دمار, ولا إستشراف هذا الرجل لشرور صدام وحكمه.. وحتى من كان يفهم من أخوتي الأكبر, كان يخاف أن يشرح لي, خوفا من زلات اللسان في المدرسة أو الشارع. 

كبرنا وتوسعت المدارك, ووفقنا للقراءة والإطلاع على الأمور.. فصرنا نفهم معنى الوطن والوطنية, بمفاهيم حقيقية, غير ما كان يحاول صدام ونظامه أن يغسلوا به أدمغتنا, ففهمنا معنى التضحية, في سبيل الوطن, بالغالي والنفيس, وماهو هذا الغالي والنفيس. 

رغم أن الإنسان دوما يمر بتجارب, تضعه في محل إختيار بين خيارات ربما صعبة, وفهمت حينها أهمية الحكمة في الإختيار, بين المهم والأهم.. وفهمت أيضا, وبالطريقة الصعبة, أن عملية الإختيار دوما ليست سهلة, وفيها معاناة وصراع داخلي, ولا ينجح في أختبارات الخيارات الصحيحة الكل. 

تضحيات أمثال محمد باقر الحكيم وأسرته, وغيرهم من الأسر العلمية, وكل المناضلين الأبطال, لم تكن خيارات سهلة, ورغم أنها كانت في سبيل دين وطن وأمة, لكن ثمنها, كان عظيما وفادحا. 

كانت خيارات بين السلة والذلة, وقد أحسنوا الإختيار. 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك