يخطئ من يحاول أن ينكر تاريخ أيران المهم, خلال فترة الحكم الإسلامي أو ما قبله, فهي بلد كبير وعظيم وله أرث حضاري لا يمكن إنكاره.. وفيها تجربة تحمل ملامح وممارسات ديمقراطية كبيرة وحقيقية.
يخطيْ أكثر منه, من ينظر للعلاقات بين الدول, بشكل عاطفي مبني على تخيلات ساذجة, فيطلب أن تكون مواقف تلك الدول, ومنها أيران من بلده, بعيدة تماما عن العرف السياسي, والمصالح المشتركة في الأقل.
هي بلد كبير وقوي, بشعبه وتقدمه العلمي والسياسي, وأهم ما يميزه قوة نظامه وإستقراره السياسي, رغم كل المماحكات السياسية, والمشاكل الإقتصادية التي يمر بها, فقد مر بفترات حصار, شددته عليه أمريكا بطريقة ذكية, لكن قادتها تعاملوا معه بطريقة لا تقل ذكاء عن خصومهم.
شهدنا جميعا, حجم التظاهرات التي حصلت خلال الأيام الماضية, وهي نتاج طبيعي للأثر الإقتصادي للحصار والحرب الخفية التي تعرضت لها أيران خلال السنوات الماضية, وكلف إقتصادية, جراء دعمها للعراق ضد الإرهاب, وسوريا ضد خصومها, وحلفائها في لبنان واليمن.
تلك الإحتجاجات كانت ذا طبيعة إقتصادية, ولم تكن ضد النظام السياسي في أيران, رغم بعض الأحداث الطارئة والمفتعلة, التي سوقت وضخمت من الإعلام المضاد لإيران.. ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تحصل فيها الإحتجاجات, لكن الظروف الحالية تختلف عن ما سبق, فإيران اليوم في حرب مواطئ القدم والنفوذ, مع أمريكا وحلفائها.
قوة النظام الإيراني تنبع من قوة ورصانة مؤسساته, وعدم التضارب بينها في عملها, فلا الجيش يتدخل بمساحات الحرس الثوري, ولا المخابرات تتدخل في عمل فيلق القدس, ولا العكس يحصل, مع عملية تنسيق قوية جدا ظاهرة في مدى ولاء هذه الجهات الماسكة للأمن لقيادة النظام.. وهي أهم مصادر قوته, التي يمكن أن تحسم الأمور في وقت قصير.
مصدر قوة أيران الأخر, هو فهم الشعب الإيراني, لأهمية ما يطالب به المتظاهرون, مع ضرورة الحفاظ على الدولة والنظام, بالرغم مما لديهم من ملاحظات, خصوصا جيل الشباب, ممن لم يعايش " الثورة الإسلامية" ولم تعد قضية المبادئ, وعالمية الإسلام, والدعوة وتصدير الثورة, أولوية لديه.
ستنتهي تلك الإحتجاجات قريبا, بحلول توافقية ربما, لكنها أفادت النظام الإيراني, بكل مفاصله, فهي نبهت لمواقع يمكن أن ينفذ منها أعدائهم, رغم أن هؤلاء بغبائهم, ساعدوا على وئد الإحتجاجات بأيدي المحتجين أنفسهم, بسبب دعمهم الإعلامي المبالغ فيه لها.
الدرس الإيراني الأخير, يجب أن يكون مفيدا لنا, فهي تجربة حية, عن أهمية المؤسسة في الدولة, وأثرها على إستقرارها وثباتها في مواجهة المحن والمشاكل.. فهل سنتعلم الدروس, أم ستمر كغيرها؟!
https://telegram.me/buratha